قصص

نشر في : 21-11-2024

تاريخ التعديل : 2024-11-21 23:51:03

فريق نداء الأرض

قبل قرابة 180 عاما كانت العاصمة الأذربيجانية "باكو" موقعا لما يُعتقد أنها أول بئر نفطية حُفرت وفقا لمعايير الصناعة الحديثة، وقد شكّلت هذه البئر التي حفرتها الإمبراطورية الروسية عام 1846 بداية لإنشاء ما أصبح لاحقا "المدينة السوداء".

وقبل هذا التاريخ وبداية من القرن السابع عشر، كانت باكو مركزا أيضا لاستخراج النفط وتجارته، لكن مع آبار حُفرت يدويا.

المدينة السوداء

ارتبطت "المدينة السوداء" في باكو بحقبة شهدت فيها المدينة نهضة نفطية وصلت إلى ذروتها في أواخر القرن التاسع عشر، حيث أصبحت مصدرا لنصف النفط المستخدم في العالم، مستفيدة من انتشار اختراع "محرك الاحتراق الداخلي".

في القرن التاسع عشر، أطلق البروفيسور أبراهام فالنتين ويليامز جاكسون الأستاذ في جامعة كولومبيا الأمريكية، والمترجم المتخصص في اللغات الهندوإيرانية، رحلات متعددة إلى منطقة القوقاز وشمال بلاد فارس مستكشفا هندسة المدن وتاريخ وأدب المنطقة وثقافاتها وتقاليدها.

في كتابه الذي أصدره لاحقا مطلع القرن العشرين (1911) بعنوان "من القسطنطينيَة إلى موطن عمر الخيام"، وصف جاكسون مدينة باكو التي مر بها بأنها بلاد يغطيها النفط في كل مكان، فهو موجود "في الهواء الذي يستنشقه المرء، وفي أنفه، وفي عينيه، وفي مياه استحمامه بل حتّى في الملابس الكتَّانيَّة التي يرتدونها. هذا هو الانطباع الذي يبقى في ذهنك عن باكو".

نوبل في باكو

في باكو، يقبع المتحف الوحيد في العالم لعائلة نوبل (خارج السويد)، والسبب هو أن إخوة مخترع الديناميت "ألفريد نوبل" كانوا في طليعة رجال الأعمال الذين ذهبوا إلى المدينة للإفادة من نهضتها النفطية.

ففي عام 1876، أسس كل من لودفيغ نوبل وروبرت نوبل في باكو شركة الأخوين نوبل لإنتاج النفط المحدودة (برانوبل)، في باكو، وقد تم تأسيس الشركة بعد أعوام قليلة من قيام السلطات الروسيَّة عام 1872 بإقامة مزادات علنية لبيع الأراضي الغنيَّة بالنفط حول باكو للشركات الاستثماريَّة الخاصَّة التي جاءت من سويسرا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد.

 وقد أنشأت تلك الشركات حزامًا صناعيًا بالقرب من باكو عُرف باسم «المدينة السوداء» تضمن الكثير من المصانع والشركات العاملة باستخراج وتصنيع النفط.

وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، أصبحت المدينة أغزر مدن الإمبراطورية الروسية إنتاجًا للنفط، وبعد نحو 10 سنوات حلت في المركز الأول عالميا متفوقةً على الولايات المتحدة نفسها، وفقا لما نقلته وكالة الإعلام الأذرية المستقلة azvision.

آنذاك، كانت الأجزاء الشرقية من باكو تشكل منطقة صناعية غير مناسبة للسكن المدني بسبب التلوث الشديد. وكانت المباني الوحيدة فيها عبارة عن مصافي النفط ومباني الموانئ والمساكن المؤقتة لعمال النفط.

لذلك، أنشأت شركة "برانوبل" مستوطنة في الطرف الشرقي من المدينة للموظفين الإداريين والفنيين توفر لهم ظروفا معيشية مواتية، وقد ضمت المستوطنة مباني سكنية ومدرسة ومسرحًا ومستشفى وقصرًا عائليًا لعائلة نوبل، وقد تحول هذا القصر حاليا إلى متحف هو الوحيد من نوعه خارج السويد.

معجزة باكو البيضاء

"المدينة التي سميت المدينة السوداء عبر القرون في أذربيجان ستتحول إلى مدينة بيضاء ونظيفة، وستنمو فيها الأزهار، وستصبح ركنا جميلًا من أذربيجان"، بهذه الكلمات لخص حيدر علييف الرئيس السابق والزعيم القومي لأذربيجان (تُوفي عام 2003)، طموحه لجزء عزيز من عاصمة بلاده.

وقد دخل هذا الحلم حيز التنفيذ على أرض الواقع في عهد إلهام علييف رئيس أذربيجان الحالي، بموجب مرسوم وقعه في سبتمبر/ أيلول 2006 بعنوان "خطة عمل شاملة لتحسين الظروف البيئية في جمهورية أذربيجان خلال الفترة 2006 - 2010".

وفقا لذلك المرسوم، انطلق مشروع مدينة "باكو البيضاء" سريعا عبر إزالة المنشآت النفطية والصناعية من المنطقة إلى أطراف المدينة، ثم إزالة التلوث من الأراضي، وتجميل وتشجير جميع الشوارع المحيطة، وتطوير مجموعة من خيارات النقل العام، بما في ذلك مترو أنفاق، ووصلة ترام على الواجهة البحرية، لتقليل الاعتماد على السيارة الخاصة.

وقد شاركت شركة Fosters and Partners البريطانية التي أسسها المهندس المعماري الأسطوري نورمان فوستر (المهندس الذي أسهم في تصميم مدينة مصدر في أبوظبي بالإمارات) في تصميم باكو البيضاء.

والآن، أصبحت مدينة باكو البيضاء، التي لا يزال التوسع مستمرا فيها، أحد أكبر المشروعات الحديثة في العالم التي تم بناؤها بالكامل على منطقة صناعية مستصلحة بيئيًا.

ومن المقرر أن تغطي مدينة باكو البيضاء مساحة 16.5 كم مربع، مما يجعلها أكبر مشروع تطوير في منطقة القوقاز.

استعراض في COP29

في قمة المناخ COP29 بأذربيجان، بدت مدينة باكو البيضاء في قلب أجنحة المنطقة الخضراء، بصفتها أحد مصادر فخر البلاد، وتفسيرا واضحا لسبب اختيارها دولة مستضيفة لقمة المناخ الأهم.

استعرض الجناح تاريخ الاعتراف الدولي بمشروع مدينة باكو البيضاء رمزا للتحول الأخضر المستدام، من كارثة بيئية إلى نموذج للتنمية الحضرية الديناميكية، وفقا لمبدأ أساسي هو أن التطوير يجب أن يكون مستدامًا اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا.