في عصور ما قبل التاريخ، كان الإنسان يحتمي في الكهوف، رويداً رويداً خرج وتعلّم بناء المأوى بأدوات بسيطة، ومع التطور وصقل الخبرات، صار قادرا على بناء مبانٍ مرتفعة، بل ناطحات سحاب تضاهي الجبال في ارتفاعها. ولكل شيء ضريبة، وكانت ضريبة المباني هي استخدام مواد غير مستدامة، تتسبب في إطلاق انبعاثات لغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحترار العالمي التي يعاني منها الكوكب اليوم.
لذلك، نصب الباحثون والمتخصصون تركيزهم على إيجاد حلول فعّالة لجعل المباني أكثر استدامة، عبر استخدام مواد وأدوات مستدامة وصديقة للبيئة. بل وزادت الطموح إلى توظيف المباني لتخزين الكربون، وهو حل من حلول أزمة المناخ، وتجتهد جميع القطاعات في تحقيقه.
بصيص أمل
اهتمت مجموعة بحثية من جامعة كاليفورنيا-دافيس وجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، بدراسة قدرة مواد البناء على تخزين ثاني أكسيد الكربون. ووجدوا أنّ بعض المواد مثل البلاستيك والخرسانة -المستخدمة في البناء- يمكنها تخزين مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون. ونشر الباحثون دراستهم في دورية "ساينس أدفانسيز" (Science Advances) في 10 يناير/كانون الثاني 2025. وهذا يعني أنه يمكن ضم قطاع البناء إلى قائمة القطاعات التي يمكن من خلالها تخزين ثاني أكسيد الكربون، ما يساعد العالم على تحقيق أهداف خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وتحقيق هدف اتفاق باريس بعدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
كيف؟
هناك بعض المواد الرئيسية للبناء، التي يتم إنتاج أكثر من 30 مليار طن منها سنويًا، وتشتمل على: الأسفلت، والخرسانة، والخشب، والبلاستيك، والطوب. وفي الدراسة قام الباحثون بحساب كميات الكربون التي يمكن تخزينها في تلك المواد. وطرحوا بعض أساليب تخزين الكربون، وذلك عبر الفحم الحيوي؛ الناتج عن تسخين الكتلة الحيوية للنفايات، وإضافته إلى الخرسانات. الأمر نفسه مع مواد البناء الأخرى. وهذا يعني باختصار توظيف الكتل الحيوية بدلًا من مصادر الوقود الأحفوري في مواد البناء، ما يجعلها أكثر استدامة، ووسيلة فعّالة لتخزين الكربون بدلًا من إطلاقه في الهواء الجوي.
جدير بالذكر أنّ عزل الكربون من الغلاف الجوي يعني إزالة ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى صورة مستقرة؛ بحيث لا يسهم في إحداث تغير في المناخ. ويرى الباحثون أنّ تطبيق هذه الأساليب في مواد البناء، من شأنها أن تعزز الاقتصاد الدائري.