وسط حضور الأطراف البالغ عددهم 198 طرفا، تسلمت أذربيجان مسؤولية مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته التاسعة والعشرين (COP29)، لعام كامل حتى تسلمه إلى البرازيل نهاية عام 2025. لكن، يبدو أنّ الرئاسة الأذربيجانية لديها الكثير من المهام الصعبة، يبرز على رأسها "الهدف الكمي الجماعي الجديد" (NCQG).
ويوم الإثنين انطلقت فعاليات مؤتمر الأطراف (COP29)، بافتتاحية رئيس مؤتمر الأطراف (COP28)، الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف “COP28”، الذي بدوره سلم كرسي رئاسة المؤتمر إلى نظيره الأذربيجاني مختار باباييف.
وأوضح الدكتور سلطان أحمد الجابر أن “COP28” فتح آفاقًا جديدة، وحقق إنجازات غير مسبوقة في مجال العمل المناخي، من أبرزها إنشاء "ترويكا رئاسات مؤتمر الأطراف" التي تعدُّ نموذجاً رائداً للتعاون والتنسيق بين رئاسات "COP28"، و"COP29"، و"COP30" وتحفيز الجهود العالمية.
ولفت إلى أن الترويكا ستستمر في حشد جهود كافة المنصات متعددة الأطراف، بما يشمل منظومة الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، لترسيخ إرث "اتفاق الإمارات"، داعيا جميع الأطراف إلى اتباع خريطة الطريق التي وضعتها ترويكا لمهمة 1.5 درجة مئوية.
خزينة العمل المناخي
حاز COP29 لقب "مؤتمر الأطراف المالي" (COP Finance)؛ بسبب الآمال والطموح المناخية المتعلقة بقضية التمويل، والتي تُشكل بعض الحساسية في المفاوضات المناخية؛ خاصة فيما يتعلق بالسؤال الأهم والأبرز "من الذي يدفع؟"، وجاءت إجابة هذا السؤال منذ وقت طويل في مبدأ "المُلوث يدفع"، الذي يدين الدول المتقدمة المسؤولة تاريخيًا عن انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
بالفعل قدمت الدول المتقدمة تعهدًا في أثناء فعاليات COP15، الذي انعقد في كوبنهاغن بالدنمارك عام 2009، بدفع 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية بحلول 2020. لكن، لم يلق هذا التعهد الاهتمام المطلوب. وبمرور الوقت، زادت الحاجة إلى الموارد المالية لتمويل العمل المناخي، الأمر الذي ناقشته مؤتمرات الأطراف السابقة كثيرًا إلى أن وصلت المفاوضات إلى الطاولة الأذربيجانية، التي وقع على عاتقها أخذ زمام المفاوضات إلى التنفيذ الفعلي، ووضع آليات واضحة للهدف الكمي الجماعي الجديد؛ ليحل محل هدف الـ100 مليار دولار، لكن تُقدر قيمة التمويل هذه المرة بنحو 1.3 تريليون دولار أمريكي. على أن ينطلق هذا التمويل بدءًا من عام 2025. لذلك، يقع على عاتق أذربيجان حسم قضية التمويل المناخي، قبل أن تنقل رئاسة المؤتمر في العام المقبل إلى البرازيل.
وفي هذا الصدد، قال مختار باباييف في كلمته الافتتاحية: "علينا أن نستثمر اليوم لإنقاذ كوكبنا ومستقبلنا". وشدد على أنّ كل دولار يُستثمر في مكافحة التغيرات المناخية من شأنه أن يسهم في تحقيق فارق ملموس، داعيا إلى أن يكون هذا المؤتمر نقطة تحول نحو مستقبل مستدام.
بينما قال سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في كلمته: "دعونا نستغن عن أي فكرة مفادها بأن تمويل المناخ عمل خيري، إن الهدف الجديد الطموح لتمويل المناخ يصب بالكامل في المصلحة الذاتية لكل دولة، بما في ذلك الدول الأكبر والأغنى". وهذه دعوة واضحة من ستيل إلى الدول المسؤولة تاريخيًا عن انبعاثات الغازات الدفيئة المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري أن تتحمل مسؤولية التمويل وعدم التهرب من المسؤولية المشتركة التي قامت على أساسها مؤتمرات الأطراف منذ ما يقرب من 30 عامًا. وأبرز ستيل في خطابه فكرة أنّ عمل الأطراف على هدف التمويل الجديد من شأنه أن يصب في مصلحة جميع دول العالم بما فيها الدول الغنية والمتقدمة أيضًا، وشدد على أهمية التنفيذ والعمل الدؤوب لإصلاح النظام المالي العالمي.
ولأنّ صندوق الخسائر والأضرار جزء مهم من العمل المناخي، عملت على دفعه رئاستا COP27 في مصر وCOP28 في الإمارات العربية المتحدة، إلى أن تمت الموافقة عليه وتفعيله على الأراضي العربية، شدد الدكتور سلطان أحمد الجابر على ضرورة دعم صندوق الخسائر والأضرار ماليًا؛ فقد بدأ تمويله في COP28، ووصل إجمالي تمويله حتى الآن 853 مليون دولار أمريكي. الجدير بالذكر أنّ الإمارات العربية المتحدة أخذت مبادرة تمويل الصندوق تبعتها بعض دول الأطراف الأخرى، ما سرّع عملية تفعيله، واليوم تستضيف الفلبين مجلس إدارة صندوق الخسائر والأضرار. من جانب آخر، أكد الجابر ضرورة الاستثمار في صندوق "ألتيرا"، الذي انطلق في COP28 لدعم تمويل العمل المناخي.
وأشار الجابر إلى أهمية اعتماد الهدف الكمي الجماعي الجديد، الذي يسهم في تحقيق بنود اتفاق الإمارات، في رسالة مفادها بأنّ التعاون بين الأطراف يمثل ضرورة قصوى لتعزيز العمل المناخي.
بعيدًا عن الآمال والأحلام
لمحة عاطفية أشار إليها ستيل في أثناء كلمته، وهي صورة له مع جارته فلورنسا أمام منزلها المدمر بفعل إعصار حدث في جزيرة كارياكو في البحر الكاريبي. تلك الصورة مثال حي وواقعي لأزمة المناخ التي تتفاقم آثارها يومًا بعد يوم. بالفعل سجلت سنة 2024 الأعلى في درجات الحرارة، ويذكر "تقرير فجوة الانبعاثات للعام 2024"، الذي نشره "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، إلى أنّ انبعاثات غازات الدفيئة قد تقود متوسط درجات الحرارة العالمية بين 2.6 و3.1 درجة مئوية على مدار القرن الحالي، وهذه زيادة مدمرة من شأنها أن تفسد الحياة على سطح الأرض، وهو ما يتعارض مع هدف 1.5 درجة مئوية لـ"اتفاق باريس"، وقد وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأنّ هذا التقرير إشارة على أننا "نلعب بالنار"، بحسب وصفه، ما يوحي بالكوارث الحرارية التي قد يشهدها العالم في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
ولا بد أن تكون تلك الإجراءات قابلة للتنفيذ وفعلية؛ إذ أكد ستيل في كلمته بـCOP29 أنه لا يجب الاعتماد على الآمال والأحلام في مواجهة المهام والأوقات الصعبة، التي بالفعل يمر بها العالم اليوم، وتتفاقم تلك الصعوبات يومًا بعد يوم. وهذه دعوة منه إلى اتخاذ قرارات وتدابير واقعية من شأنها أن تحل الأزمة، وقال: "يجب ألا ندع 1.5 يفلت من أيدينا، وحتى مع ارتفاع درجات الحرارة فإن تنفيذ اتفاقياتنا يجب أن يستعيدها إلى المستويات الآمنة".