تتمتع الأراضي العشبية بمجتمعات متنوعة من الحيوانات والنباتات والأنواع الأخرى، ما يجعلها أحد الأنظمة البيئية الغنية بالتنوع البيولوجي.
لكن، اتضح أنها تتأثر بالتغيرات المناخية أسرع من المتوقع. وهذا ما كشفت عنه دراسة أجرتها مجموعة بحثية بقيادة كل من: "كاي تشو"، أستاذ مشارك في البيئة والاستدامة في جامعة ميشيغان، و"ييلوان سونغ"، زميلة ما بعد الدكتوراه في معهد ميشيغان لعلوم البيانات؛ إذ وجدوا أنّه مع ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الجفاف؛ نتيجة انخفاض هطول الأمطار، تصبح النباتات المحلية في الأراضي العشبية أقل قدرة على التكيف مع تلك الظروف، وقد تتعرض الأرض للغزو من نباتات أخرى غازية. ما يُسبب خللًا في النظام البيئي.
تُشير الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Nature Ecology & Evolution) في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى أنّ مجتمعات التنوع البيولوجي في الأراضي العشبية في منطقة مقاطعة كاليفورنيا للزهور، تستجيب للتغيرات المناخية بصورة أسرع من الغابات. ويمكن تعميم هذه النتائج على الأراضي العشبية في العالم.
تواصلنا مع الدكتور "كاي تشو"، والدكتورة "ييلوان سونغ"، المؤلفين الرئيسيين للدراسة في حوار خاص.
إليكم نص الحوار..
لماذا اهتم بحثكما باستكشاف تأثيرات تغير المناخ على وجه التحديد في مجتمعات الأراضي العشبية؟
هناك سببان رئيسيان؛ فمن ناحية، ثبت على نطاق واسع أن مجتمعات الغابات تظهر استجابات متأخرة لتغير المناخ من حيث تكوين المجتمع، ومن خلال التركيز على الأراضي العشبية، كنا نأمل في اكتشاف ما إذا كانت بعض المجتمعات النباتية الأرضية أكثر حساسية لتغير المناخ من غيرها. لقد افترضنا ذلك لأن مجتمعات الأراضي العشبية تهيمن عليها أنواع قصيرة العمر تتعرض بشكل مباشر للتغيرات المناخية واسعة النطاق.
من ناحية أخرى؛ فإن الأراضي العشبية في مناطق مثل مقاطعة كاليفورنيا للزهور (CFP) تتسم بديناميكية عالية وغالبًا ما تتعرض للغزو من المناطق الأخرى بشدة، لذلك فمن المهم دراسة مدى تأثرها وقدرتها على الصمود في ظل تغير المناخ لإرشاد عملية الحفظ والاستعادة.
هل يمكنك توضيح المنهج المُتبع في الدراسة؟
قمنا بتجميع الوفرة النسبية للأنواع عبر 12 موقعًا للرصد، وفي ثلاثة تغييرات تجريبية عالمية، قمنا بتقدير الظروف المناخية لكل نوع، والتي تمثل تفضيلاتهم لدرجة الحرارة وهطول الأمطار. ومع الوفرة النسبية والبيانات المناخية المتخصصة، قمنا بحساب مؤشر درجة حرارة المجتمعي (CTI) ومؤشر هطول الأمطار المجتمعي (CPI).
أتاحت لنا هذه المؤشرات على مستوى المجتمع قياس التحولات في تكوين المجتمع على طول محاور درجة الحرارة وهطول الأمطار، والتي يشار إليها باسم "المحبة للحرارة" (Thermophilization) و"المحبة للجفاف" (Xerophilization). قدم هذا النهج مقياسًا مباشرًا وبديهيًا لكيفية استجابة المجتمعات لظاهرة الاحتباس الحراري والجفاف مع مرور الوقت وفي ظل الظروف التجريبية.
كيف يحفز تغير المناخ الاستجابة السريعة لمجتمعات الأراضي العشبية؟
لاحظنا أنه في ظل الاحترار والتجفيف في مقاطعة كاليفورنيا للزهور، تميل الأنواع المرتبطة بالمناخات الأكثر دفئًا وجفافًا إلى الزيادة في الوفرة النسبية أو الظهور في المجتمعات. في حين تميل الأنواع المرتبطة بالمناخات الباردة والرطبة إلى الانخفاض في الوفرة النسبية أو تختفي من المجتمعات.
هناك بعض الأسباب التي تجعل مجتمعات الأراضي العشبية شديدة الاستجابة لتغير المناخ. أولًا، تتكون مجتمعات الأراضي العشبية إلى حد كبير من أنواع قصيرة العمر تكون سنوية أو معمرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن أنواع الحشائش في هذه المنطقة ذات مناخ البحر الأبيض المتوسط تخضع للسكون الموسمي في الصيف الجاف، ما يزيد من تسارع التغيرات في الوفرة. تسمح سمات تاريخ الحياة هذه بحدوث تحولات فورية في الوفرة النسبية استجابة للتغيرات البيئية.
ثانيًا، في حين أن الغابات تخلق مناخات صغيرة تحت غطاء الأشجار، تعمل على عزل تأثيرات التغير المناخي الكلي؛ فإن الأراضي العشبية تكون أكثر عرضة للخطر بشكل مباشر. علاوة على ذلك، غالبًا ما تتعرض الأراضي العشبية؛ خاصة تلك الموجودة في مقاطعة كاليفورنيا للزهور، لغزو شديد من قبل الأنواع غير المحلية، والتي يتكيف الكثير منها مع الظروف الأكثر دفئًا وجفافًا وتنمو بسرعة بوفرة.
ما هي الطرق التي يؤثر بها ذلك في التنوع البيولوجي لمجتمعات الأراضي العشبية؟
على مستوى الأنواع، تعكس هذه التحولات تراجع الأنواع الأكثر برودة ورطوبة، والعديد منها أنواع محلية. بالإضافة إلى الهيمنة المتزايدة للأنواع الأكثر دفئًا وجفافًا، والعديد منها أنواع غير محلية. أما على مستوى المجتمع، فقد يؤدي التغيير في مجموعة الأنواع إلى تغيير تفاعلات الأنواع وعمل النظام البيئي.
نأمل ألا يؤدي عملنا إلى رفع مستوى الوعي بشأن التخفيف من تغير المناخ فحسب، بل أيضًا إلى توجيه جهود الحفظ والترميم، حتى نتمكن من حماية وتصميم مجتمعات الأراضي العشبية عن عمد مع أخذ المناخ المستقبلي في الاعتبار.
ما هي النتائج المتوقعة في ظل تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري؟
ومع اشتداد ظاهرة الاحتباس الحراري، نتوقع أن تستمر مجتمعات الأراضي العشبية في مواجهة التحولات التركيبية السريعة. ومع ذلك، قد تكون هذه الاستجابة مقيدة بالظروف المناخية للأنواع المتاحة؛ خاصة أننا نشهد مجموعات غير مسبوقة من درجات الحرارة وهطول الأمطار. وبعيدًا عن الأراضي العشبية، يشير عملنا إلى أن مجتمعات النباتات الأرضية سوف تخضع لمسارات متنوعة في ظل تغير المناخ.
يصف مصطلح "الديون المناخية" التغيرات المتوقعة في التنوع البيولوجي باعتبارها استجابة متأخرة لتغير المناخ. لقد أظهرنا أن مجتمعات الأراضي العشبية تتغير في تكوينها وتسدد ديونها المناخية بشكل مستمر، ولكن بالنسبة لمجتمعات الغابات التي تتراكم عليها ديون مناخية؛ فقد نتوقع إعادة تشكيل مفاجئة في المستقبل.