وفقًا لـ"المراكز الوطنية للمعلومات البيئية" (NCEI)، فقد سجل متوسط درجات الحرارة العالمية 1.31 درجة مئوية أعلى من عصر ما قبل الصناعة، بين شهري سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لتصبح ثاني أدفأ فترة في سجل 175 عامًا.
من جانب آخر ينص اتفاق باريس الصادر عن مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الحادية والعشرين (COP21) على هدف عالمي بعدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية بحلول 2030، والوصول إلى صافي الصفر بحلول 2050. ومع الزيادة المستمرة في درجات الحرارة؛ نتيجة الأنشطة البشرية؛ تقل ميزانية الكربون بسرعة كبيرة، ما يعني صعوبة تحقيق أهداف اتفاق باريس.
فجوة
ولا خلاف على أنّ الأنشطة البشرية هي اليد المباشرة والخفية في أزمة المناخ. لكن، في عام 2023، سجل متوسط درجات الحرارة العالمية ما يقرب من 1.45 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، ما يجعلها أعلى سنة مسجلة في متوسط درجات الحرارة.
أرجع العلماء الأسباب وراء ذلك إلى عدة أحداث مثل تراكم غازات الاحتباس الحراري، والأحداث الطبيعية كالانفجارات البركانية، أو أحداث جوية مثل ظاهرة النينو.
مع ذلك، ظلت هناك فجوة تُقدر بنحو 0.2 درجة مئوية حيّرت العلماء، ولم يجدوا لها تفسيرًا مرضيًا. الأمر الذي دفع مجموعة بحثية من معهد ألفريد فيجنر، بمركز هيلمهولتز للأبحاث القطبية والبحرية، وطرحوا تفسيرًا محتملًا لارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، وهو أنّ كوكب الأرض صار أقل قدرة على عكس ضوء الشمس المحمل بالحرارة، وأرجعوا السبب إلى تراجع بعض أنواع السحب. ونشروا دراستهم في دورية "ساينس" (Science) في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024.
تحليل
تُعرف ظاهرة عكس ضوء الشمس بـ"البياض" أو "الألبيدو" (Albedo). وركز الباحثون على قياسها.
وبالفعل، حصلوا على بيانات من عدة مصادر تعود إلى عام 1940، لتحليل التطورات في ميزانية الطاقة والغطاء السحابي. ولاحظوا انخفاضًا في عكس الأشعة الشمسية إلى الفضاء الخارجي بلغ ذروته في 2023، ما يعني أنّ الأشعة الشمسية بما تحمله من حرارة تنحبس في الغلاف الجوي، ما يُسهم في تفاقم الاحتباس الحراري. ويفسر فجوة الزيادة الـ 0.2 درجة مئوية المفقودة.
تراجع الغطاء الجليدي
بعد اكتشاف السبب وراء زيادة 0.2 درجة مئوية، راحوا يفتشون عن الأسباب الممكنة، ووجدوا أنّ هناك انخفاضا منذ سبعينيات القرن الماضي في الثلوج القطبية وكذلك الجليد البحري، علمًا بأنّ هذه التضاريس البيضاء تلعب دورًا محوريًا في عكس أشعة الشمس، وقدروا أنّ انخفاض نحو 15% من البياض الكوكبي كان بسبب تراجع الجليد البحري وثلوج القطب الشمالي، كما وجدوا تراجعًا واضحًا في جليد القارة القطبية الجنوبية منذ 2016.
وأجرى الباحثون محاكاة، لمعرفة مدى تأثير انخفاض البياض في متوسط درجات حرارة الكوكب، ووجدوا أنه دون انخفاض البياض منذ ديسمبر 2020، لكان متوسط الحرارة في 2023 أقل بنحو 0.23 درجة مئوية.
سحاب أقل
من جانب آخر، درس الباحثون مدى تأثير الغطاء السحابي؛ وهو المسؤول عن عكس ضوء الشمس وينتج عن هذا تبريد؛ لكن هناك بعض أنواع السحاب تكون في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، والتي تنتج تأثيرًا دافئًا نتيجة الدفء المنبعث من الغلاف الجوي، على الرغم من مساهمتها أيضًا في التبريد، إلا أنّ تأثيرها قد يشابه تأثير غازات الاحتباس الحراري. وهناك أيضًا السحب المنخفضة، لكن تأثيرها التبريدي أقوى من السحب العليا. لذلك، ركز العلماء على دراسة حالة تلك السحب المنخفضة، ووجدوا أنّ أعدادها تتراجع، ما يعني أنّ الكوكب يفقد تأثيرات التبريد الناتجة عنها، ما يسهم في ارتفاع درجات الحرارة.
وبحث العلماء في الأسباب الممكنة وراء انخفاض أعداد السحب المنخفضة، وأرجعوا ذلك إلى انخفاض تركيزات الهباء الجوي الناتج عن أنشطة الإنسان في الغلاف الجوي؛ إذ يسهم الهباء الجوي في تكوين السحب وعكس أشعة الشمس. من ناحية أخرى، يسهم الاحتباس الحراري أيضًا في تقليل أعداد السحب.
يتوقع مؤلفو الدراسة ارتفاع متوسط درجات الحرارة خلال السنوات المقبلة، وتجاوز هدف اتفاق باريس (1.5 درجة مئوية) قبل الموعد المحدد، ويدعون إلى أهمية تنفيذ تدابير التكيف للوقاية من الظواهر الطقسية المتطرفة، وضرورة خفض انبعاثات غازات الدفيئة واتخاذ إجراءات فعّالة للتخفيف.