سيشهد عام 2024 إطلاق صندوق الخسائر والأضرار لتمويل البلدان المتضررة من الكوارث المناخية، وستكون 12 دولة عربية مؤهلة لتلقي الأموال منه.
توصلت الدول في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 إلى اتفاق "تاريخي" بتفعيل صندوق الخسائر والأضرار، لمساعدة وتمويل البلدان الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ على معالجة الأضرار الناجمة عن أحداث الطقس المتطرف غير المتوقعة، والتي لا يمكن تجنبها.
تعهدت مجموعة من البلدان، على رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، بتقديم 720 مليون دولار للصندوق، الذي سيستضيفه البنك الدولي لمدة 4 سنوات، ويديره مجلس إدارة منتخب من أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ.
وفق القرار النهائي، ستكون جميع البلدان النامية "المعرضة بشكل خاص" لآثار تغير المناخ مؤهلة للحصول على التمويل، ما يعني أن معظم دول أفريقيا وجنوب آسيا يمكنها الاستفادة من الصندوق الجديد.
ما هو صندوق الخسائر والأضرار؟
ببساطة، صندوق الخسائر والأضرار هو آلية مالية تهدف إلى المساعدة في تعويض البلدان التي تواجه الأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.
على سبيل المثال، يهدف الصندوق إلى تمويل البلدان المتضررة من أجل إعادة بناء البنية التحتية الرئيسة التي تضررت بسبب الفيضانات والعواصف أو استبدالها بشكل أكثر استدامة.
كان الصندوق مطلباً رئيساً للدول النامية منذ فترة طويلة، خاصة البلدان الواقعة على الخطوط الأمامية لكوارث المناخ، كالدول الجزرية الصغيرة، والتي تعاني بشكل غير متناسب من الظواهر المناخية المتطرفة والمتكررة بشكل متزايد مثل الفيضانات وموجات الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار.
بعد سنوات عديدة من المفاوضات المكثفة في اجتماعات الأمم المتحدة السنوية للمناخ، وافقت الدول المتقدمة على إنشاء الصندوق في العام الماضي في مؤتمر شرم الشيخ COP27، لكن العملية تعثرت على مدى الاثني عشر شهرا التي تلت ذلك بسبب الخلافات حول مقر الصندوق ومن يجب أن يدفع أو يستفيد منه.
تفاجأ الكثيرون في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر COP28 بإعلان تفعيل الصندوق، واتفاق الدول أخيرًا على قرار نهائي بشأنه، بعدما نجحت الرئاسة الإماراتية في اقناع الأطراف بقبول المسودة النهائية للقرار في غضون أيام قليلة سبقت انعقاد المؤتمر.
وقال الدكتور سلطان أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات ورئيس مؤتمر الأطراف COP28 تعليقًا على الإنجاز التاريخي: "إن السرعة التي قمنا بها بذلك كانت أيضًا فريدة ورائعة وتاريخية"، وقوبلت كلماته بتصفيق متواصل في قاعة المؤتمر.
من المقرر إطلاق الصندوق بحلول عام 2024، بعد تشكيل مجلس إدارة مستقل، سيشكل ممثلو الدول النامية أغلبيته، وسيديره البنك الدولي على مدى السنوات الأربع الأولى.
كما صمم الصندوق لتلقي المساهمات "من مجموعة واسعة من المصادر"، من بينها مساهمات طوعية من حكومات الدول الغنية والمتقدمة.
ما هي البلدان "المعرضة بشكل خاص" لتغير المناخ؟
وفق القرار النهائي لتفعيل الصندوق الذي صدر في الأيام الأولى لمؤتمر COP28، في دبي، ستكون جميع البلدان النامية "المعرضة بشكل خاص" لآثار تغير المناخ مؤهلة للاستفادة من هذه الآلية، ويمكنها الحصول على تمويل من الصندوق لمعالجة الخسائر والأضرار المناخية.
أثناء المفاوضات، أرادت مجموعة G77 + الصين، التي تضم الدول النامية، أن تكون جميع الدول النامية مؤهلة للحصول على الأموال.
في المقابل، تمسك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن تذهب الأموال فقط إلى البلدان "الضعيفة بشكل خاص" في مواجهة تغير المناخ، لضمان عدم وصول الأموال لدول مثل الصين والهند، معللين ذلك بأن هذه الدول لم تعد نامية، وأن تصنيفها كذلك يعود لعام 1992 عندما وقعت الاتفاقية الإطارية لأول مرة، وهو ما تغير مع مرور الوقت.
في محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ، تُستخدم كلمة "الضعيفة في مواجهة تغير المناخ" للإشارة إلى الدول الجزرية الصغيرة النامية (Sids) وأفقر دول العالم، المعروفة باسم أقل البلدان نمواً (LDC). وهذا من شأنه أن يستثني دولاً مثل باكستان وليبيا، اللتان عانتا من فيضانات كارثية خلال العامين الماضيين.
توصل القرار النهائي لصيغة توافقية، لا تسمح لجميع البلدان النامية بالحصول على التمويل، لكنها في نفس الوقت لا تقصره على البلدان التي تصنفها الأمم المتحدة "ضعيفة في مواجهة تغير المناخ".
لا يوجد تعريف حتى الآن للبلدان النامية "الأكثر عرضة للخطر بشكل خاص"، كما لا توجد آلية واضحة بشأن كيفية تحديدها.
وفق معهد نوتردام، يشمل التعرض لتغير المناخ ثلاثة جوانب: هل البلد معرض لخطر الفيضانات والعواصف وموجات الحر والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر وجميع الآثار الأخرى الناجمة عن تغير المناخ؟ هل هناك أشخاص وأشياء ثمينة في مناطق داخل البلاد معرضة للخطر؟ هل تمتلك البلد المال والخبرة والقدرة الحكومية للتعامل مع هذه الكوارث؟
بعض البلدان، مثل أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، معرضة جغرافيًا للحرائق وموجات الحر والجفاف بشكل كبير، ولكنها تمتلك الأموال اللازمة للتعامل معها، لذا لا يمكن اعتبارها أكثر عرضة للخطر.
في المقابل، هناك بلدان أخرى، مثل منغوليا أو ليبيا، لا تواجه أي تهديدات مناخية خطيرة بشكل خاص ولكنها ستواجه صعوبات في التعامل مع أي تهديدات واجهتها.
الدول العربية المستحقة للتمويل
لتحديد البلدان الأكثر عرضة للخطر بشكل أكثر دقة، يعتمد الخبراء بشكل كبير على تصنيفين بشكل مؤقت لحين التوصل لتعريف واضح للأمر، وهما: مؤشر نوتردام للتكيف العالمي، وخريطة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للضعف المناخي العالمي، التي ظهرت في تقرير التكيف بالتقييم السادس للهيئة.
وفق مؤشر نوتردام، تصنف الدول المعرضة للخطر وفق أمرين: قياس مدى الاستعداد للتكيف مع تغير المناخ، وقياس مدى الضعف من خلال النظر في التأثير المحتمل لتغير المناخ على ستة مجالات: الغذاء والمياه والصحة وخدمة النظام البيئي والموائل البشرية والبنية التحتية.
الخسائر والأضرار المناخية
باتباع هذا التصنيف، ستكون معظم دول أفريقيا وجنوب آسيا، معرضة بشدة لتغير المناخ وغير مستعدة للتعامل مع تأثيره.
أما الخريطة الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فتعتمد على مؤشرات الضعف في مواجهة تغير المناخ وآثاره على المستوى الوطني، وبذلك ستكون معظم دول أفريقيا واليمن والعراق شديدة الخطورة، بينما معظم دول جنوب أسيا في التصنيف التالي، عالية الخطورة.
الخسائر والأضرار المناخية
باستخدام أيًا من المؤشرين، نجد أن 12 دولة عربية في أفريقيا وأسيا يمكن تصنيفهم ضمن الدول الأكثر عرضة للخطر، وبالتالي يمكنهم الحصول على تمويل من صندوق الخسائر والأضرار بمجرد انطلاقه.
في أفريقيا، تصنف دول السودان وجيبوتي والصومال وموريتانيا وجزر القمر، كبلدان شديدة الخطورة في المؤشرين، ومظللة على الخرائط باللون الأحمر، بينما تصنف ليبيا في المرتبة الخطرة التالية.
وفي أسيا، تصنف اليمن والعراق وسوريا والأردن، كدول شديدة الخطورة في المؤشرين، بينما تأتي لبنان وفلسطين في المرتبة الخطرة التالية.
في نهاية المطاف، الخطر المناخي ليس ثابتًا، وتعريف الخطورة يحتاج لمؤشرات أكثر دقة، وهو ما سيتم تحديده خلال المفاوضات المناخية المقبلة، وبالتالي قد تتغير أهلية الحصول على التمويل من الصندوق، لتشمل دولًا أكثر من المشار إليها حاليًا.