في وقت سابق من هذا الشهر، اجتمع وزراء البيئة من مختلف أنحاء أفريقيا في كوت ديفوار لمناقشة الإدارة البيئية في القارة وإيجاد مواقف موحدة لإدخالها في محادثات المناخ الدولية.
كانت الحاجة إلى تعزيز تمويل المناخ على رأس جدول أعمال المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة هذا العام، نظرا إلى الفجوة التمويلية الهائلة.
وتتلقى البلدان الأفريقية حاليا نحو 30 مليار دولار من تمويل المناخ كل عام، ولكنها تحتاج إلى نحو 277 مليار دولار سنويا لتنفيذ خططها المناخية الوطنية وتحقيق أهدافها لعام 2030.
وفي المؤتمر، أعرب علي محمد، رئيس المجموعة الأفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ (AGN)، عن موقف طموح فيما يتعلق بالهدف الجديد لتمويل المناخ الذي سيتم تحديده في محادثات المناخ COP29 في نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال إن الهدف الكمي الجديد لتمويل المناخ الذي سيحل محل الهدف الحالي البالغ 100 مليار دولار سنويا ينبغي أن يحشد ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويا للدول النامية بحلول عام 2030.
وقال إن هذا الرقم ينبغي أن يكون بمثابة خط أساس أولي مع الهدف الكمي الجديد لتمويل المناخ. وتتم مراجعة الهدف وتعديله بشكل دوري مع توفر المزيد من البيانات وتطور الاحتياجات.
وإلى جانب هذا الرقم البارز، أكد الوزراء والمفاوضون الأفارقة أهمية العدالة والمساءلة والشفافية في كيفية إدارة الأموال وتوجيهها إلى حيث تشتد الحاجة إليها. كما دعوا إلى التحول من تمويل المناخ الذي يعتمد إلى حد كبير على القروض، التي تزيد من أعباء ديون البلدان، إلى التمويل في شكل منح وتمويل بشروط ميسرة للغاية.
ولكن على هذه الجبهة، قد يحتاج المفاوضون الأفارقة إلى أن يكونوا أكثر جرأة، إذ تواجه العديد من البلدان في القارة أزمات ديون متفاقمة تقوض بشدة قدرتها على رعاية سكانها في الوقت الحاضر والاستثمار في مستقبلهم.
وفي عام 2023، وصلت مدفوعات الديون الخارجية للبلدان الأفريقية إلى 85 مليار دولار، أي ما يقرب من 3 أضعاف ما تلقته من تمويل المناخ. وفي عام 2024، ستشكل خدمة ديون الدول ما لا يقل عن 18.5% من إيرادات الميزانية.
وفي بعض البلدان، يكون الوضع رهيبا بشكل خاص، إذ تصدّرت زامبيا عناوين الأخبار في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عندما أصبحت أول دولة أفريقية تتخلف عن سداد ديونها خلال جائحة كوفيد-19، التي كانت خدمتها تستهلك أكثر من 33% من الإيرادات الحكومية.
وفي غانا، كشف وزير المالية في أواخر عام 2022 أن نصف إجمالي إيرادات البلاد وأكثر من 70% من عائدات الضرائب يذهب نحو سداد الديون.
وفي كينيا، كانت خدمة الديون بدءا من يونيو/حزيران 2024 تستوعب ما يقرب من 70% من الإيرادات المحلية.
وهذا الوضع يقيد بشدة قدرة البلدان الأفريقية على الاستثمار في المنافع العامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل المناخي.
أولا، الحكومات المضطرة إلى تخصيص أموال محدودة لخدمة الديون ليس لديها ما يمكنها توجيهه نحو الأولويات الوطنية. وتنفق العشرات من البلدان الأفريقية حاليا على سداد الديون أكثر مما تنفقه على الصحة أو التعليم.
وفي مواجهة الاحتياجات الملحة المتعددة والموارد المحدودة، فإن عبء الديون في أفريقيا يجعل احتمال الاستثمار في بناء مرافق الطاقة المتجددة على المدى الطويل، والبنية التحتية للشبكات، وتخزين الطاقة، والابتكار التكنولوجي، والتكيف مع المناخ أكثر صعوبة.
ثانيا، تجعل المديونية تكلفة الاقتراض في الأسواق الدولية باهظة للغاية بالنسبة للبلدان المثقلة بالديون. ويبلغ متوسط أسعار الفائدة 6.5% للدول ذات الديون المرتفعة مقارنة بـ3% للدول الأكثر استقرارا. وتشكل شروط الاقتراض غير المواتية عائقا كبيرا أمام تعبئة التمويل اللازم لمشروعات الطاقة المتجددة والتكيف مع المناخ.
كما أن ارتفاع الديون يعوق مستثمري القطاع الخاص الذين يشعرون بالقلق من عدم الاستقرار الاقتصادي والانخفاض المحتمل لقيمة العملة.
إلغاء الدين
لقد أخرت البلدان عالية التلوث لفترة طويلة التزاماتها بمعالجة الأضرار البيئية التي ألحقتها بالجنوب العالمي. ومن الضروري أن يقوموا بالتعويض من خلال الالتزامات الشاملة.
وسيكون الهدف الجديد الطموح لتمويل المناخ جزءا رئيسيا من ذلك، كما أكد المشاركون في المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة.
ولكن يتعين على الدائنين الدوليين، والمؤسسات المالية، والملوثين التاريخيين أيضا أن يعالجوا بشكل مباشر أزمة الديون، التي هي إرث من الاستعمار والصدمات الأحدث مثل الأزمة المالية في عام 2008، وجائحة كوفيد- 19، والحرب الروسية الأوكرانية.
ومن بين أشكال التعويضات، إلى جانب التعويضات المالية، التي يتعيّن على المفاوضين الأفارقة أن يسعوا إليها، هو إلغاء الديون.
ويمكن أن يركز هذا أولا على مسح الديون الدولية المتراكمة تاريخيا لدى مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وديون البلدان الثنائية، كوسيلة للتعويض عن التأثيرات المناخية الناجمة عن الملوثين في الشمال العالمي.
وفي الحالات التي لا يكون فيها إلغاء الديون ممكنا، يتعيّن على البلدان الأفريقية أن تطالب البلدان الغنية بنقل التكنولوجيا والمعرفة كشكل من أشكال التعويضات.
ويمكن أن يشمل ذلك توفير تقنيات الطاقة المتجددة المتقدمة، وأدوات التكيف مع تغير المناخ، والممارسات الزراعية المستدامة. ومن شأن عمليات نقل التكنولوجيا هذه أن تمكن الدول الأفريقية من تجاوز مسارات التنمية التقليدية الملوثة، والانتقال بسرعة أكبر إلى اقتصاد مستدام منخفض الكربون.
ومن الممكن تفعيل هذه التدابير من خلال محكمة دولية للعدالة المناخية قادرة على مساءلة البلدان الأكثر تلويثا، والإشراف على التعويضات، وضمان الوفاء بالالتزامات واستخدامها بفعالية. ويمكن للهيئة أيضا أن تكون بمثابة منصة للتفاوض بشأن الشروط والأحكام العادلة لإلغاء الديون ونقل التكنولوجيا.