تقارير وتحليلات

نشر في : 09-06-2024

حدثت في : 2024-06-13 09:03:57

بتوقيت ابوظبي

مصطفى شعبان

يعد التصدّي للجوع بسرعة أمر بالغ الأهمية، خاصة وأن 735 مليون في العالم شخص يعانون من الجوع، حسب ارقام برنامج الأغذية العالمي التابع للامم المتحدة.

ويحتاج العالم إلى إنتاج المزيد من الأغذية وتحسين الوصول إليها، وتربية الأحياء المائية توفّر وسيلة للقيام بذلك بشكل فعّال.

ولعل الأرقام الأخيرة التي أظهرها تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم لعام 2024 منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة يعطي بارقة أمل  بشأن هدف مواجهة الجوع في العالم.

وخلص تقرير "فاو" بشكل رئيسي إلى أن إنتاج المنتجات الحيوانية المائية بلغ رقمًا قياسيًا عالميًا قدره 185 مليون طن في عام 2022، ويمثل هذا الرقم أعلى بنسبة أربعة في المائة من الرقم المسجل في عام 2020 الذي ورد في التقرير السابق لحالة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في العالم.

 

 

 

وتعد هذه المرة الاولى التي تتخطى تربية الأحياء المائية مصايد الأسماك الطبيعية باعتبارها مُنتِجًا رئيسيًا للأغذية والمنتجات المائية.

 

أداة لمكافحة الجوع والفقر

 

تزيد تربية الأحياء المائية بمعدّل 5 في المائة سنويًا منذ مطلع القرن الحالي، وهذا يجعل تربية الأحياء المائية أداة عظيمة لمكافحة الجوع والفقر، وكلّ ذلك باستخدام موارد طبيعية على نحو مستدام.

وعبر تعاون مع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات ومبادرات بناء القدرات وتطوير البنية التحتية مع البلدان ووكالات التمويل، يمكن تحقيق نجاح ملموس نحو "التحول الأزرق" أو "الاقتصاد الأزرق" القائم على البيئة والموارد البحرية.

وتحمل البيئات البحرية بين ثناياها أفق لمواجهة الجوع ومستقبل الأمن الغذائي في العالم حيث تمثل أهمية اقتصادية كبرى لأن ما يرتبط بها من أنشطة تجارية وخطوط نقل وصيد "الاقتصاد الأزرق".

كما يعمل في تلك البيئات ما يقدر بنحو 40 مليون شخص في الصناعات القائمة على المحيطات، كما أنها تمثل المصدر الرئيسي للبروتين لأكثر من مليار شخص حول العالم.

وعلى سبيل المثال، زادت زامبيا إنتاجها من الأسماك من حوالي 000 12 طن إلى 000 80 طن في غضون عقد واحد فقط.

 

 

الاستهلاك العالمي للمنتجات البحرية

 

تمثل الأغذية المائية مصدر مهم للغاية للتغذية، ليس فقط لأنّها توفّر البروتينات، ولكن بالتحديد لأنها توفّر المغذّيات الدقيقة المتاحة بيولوجيًا.

ففي الستينيات من القرن العشرين، كان الشخص يستهلك في المتوسط حوالي تسعة كيلوغرامات من أغذية الحيوانات المائية سنويًا.

وفي عام 2022، وصل هذا الرقم إلى 20.7 كيلوغرامات، أي أن الاستهلاك تضاعف أكثر من مرّتين في هذه العقود القليلة، علمًا بأن عدد سكان العالم زاد في الوقت عينه من 3 إلى ما يقرب من 8 مليارات نسمة.

وتعد الأغذية المائية ضمن أفضل الحلول القائمة على الطبيعة، لأن معظمها لا يحتاج معظمها إلى أن نوفّر لها المياه أو الأعلاف. ومن دون هذه الأغذية الحيوانية المائية، سنضطرّ إلى ممارسة المزيد من الضغوط على النظم الغذائية البرّية التي تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة.

الأمر لا يتعلق فقط بالأغذية المائية أو الأغذية البرّية؛ بل يرتبط أيضًا باستخدام الموارد لضمان استخدامها وإنتاجها على نحو سليم للقضاء على الجوع وسوء التغذية مع الوقت.

 

 

 

التحول الأزرق ومستقبل الغذاء

 

مع مرور الوقت، تظهر بيانات "فاو"، المدعوم بتوافق الآراء مع أعضاء منظمة الأغذية والزراعة ومؤتمراتها الإقليمية وشركائها، أن هناك حاجة ملحّة وأساسية للتحوّل الأزرق.

وعلاوة على ذلك، هناك فهم مشترك للمبادئ الفنّية الكامنة وراء هذا التحول.

وتؤكد المنظمة أنها سوف نستخدم ذلك في السنوات المقبلة كأساس لصياغة برامج عملها العالمية والإقليمية والوطنية، كما تقوم بتيسير المفاوضات بين البلدان والأقاليم بشأن المسائل ذات الصلة بمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.

وتساعد مثل هذه البرامج على بناء القدرات البلدان على ترجمة التدخّلات إلى إجراءات سياسية، وعمل على أرض الواقع، وإشراك للقطاع الخاص، وضمان الفوائد للمستهلكين.

وقد أصبح هذا النهج الشامل الآن مقبولًا ومفهومًا على نطاق واسع، وويمكن تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم من المضيّ قدمًا في هذه التدخلات بشكل فعال.

 

 

استدامة الأرصدة البحرية

 

62.3 في المائة من الأرصدة السمكية التي يحصل عليها العالم يتم استغلالها على نحو مستدام، مما يعني أن ما يقرب من 40 في المائة منها لا يتم استغلاله على ذلك النحو.

ويعني الاستغلال غير المستدام أننا نستخرج أكثر مما تستطيع مجموعات الأسماك تجديده، ما يؤدي تدريجيًا إلى استنفاد مجموعات الأسماك.

والأرصدة الأكبر والأكثر وفرة والتي تصل إلى الأسواق بكميات أكبر، غالبًا ما تكون من مصادر أكثر استدامة، فعلى سبيل المثال، أصبح الآن 75 في المائة من كل أنواع أسماك التونة الرئيسية مستغلًا على نحو مستدام، مقارنة بنحو 40 في المائة فقط قبل عقد من الزمن.

ويُعزى عادة فشل الاستدامة إلى فشل الحوكمة، والأسباب معقّدة ومتعدّدة الأوجه، وفي بعض الحالات، يرجع ذلك إلى غياب الإرادة السياسية، وفي كثير من الحالات، يكون ذلك بسبب عدم كفاية البنية التحتية لأن إدارة الأرصدة أمر مكلف؛ فهي تتطلّب سفنًا ومؤسسات وقدرات علمية، وهو ما تفتقر إليه بعض البلدان.

 

 

التحول الأزرق والجدوى الاقتصادية

 

سجل حجم تجارة الأغذية المائية أعلى مستوى له على الإطلاق، مسجّلًا 195 مليار دولار أمريكي، أي أنه زاد بنسبة 19 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد-19.

والفوائد الاقتصادية الصافية المستمدّة من الأغذية المائية للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تفوق تلك التي تتحقق من جميع السلع الزراعية الأخرى مجتمعة، وهذا يؤكد الأهمية الاقتصادية الكبرى للأغذية المائية ويؤكد ضرورة ضمان استدامتها حاضرًا ومستقبلًا.

ويمثل التحوّل الأزرق الذي تقوده منظمة الأغذية والزراعة رؤية منبثقة من التحولات الجارية داخل قطاع الأغذية المائية التي تتجسّد في التطور السريع لتربية الأحياء المائية، وهي تهدف إلى جعل هذه التحوّلات أكثر فعالية وتأثيرًا في التصدّي للجوع والفقر.

وهناك أهداف رئيسية للتحوّل الأزرق الذي تقوده منظمة الأغذية والزراعة:

  • مواصلة تنمية تربية الأحياء المائية على نحو مستدام، بهدف زيادتها بنسبة 35 في المائة بحلول نهاية هذا العقد.
  • تحسين إدارة مصايد الأسماك، لأن المخاوف المتعلّقة بالاستدامة لا تزال قائمة مع أن مصايد الأسماك الطبيعية لا تزال تنتج بشكل جيد.
  • ضمان خضوع 100 في المائة من مصايد الأسماك في البيئة البحرية والمياه الداخلية لتدابير الإدارة السليمة.
  • تطوير سلاسل القيمة للأغذية المائية، ولا يقتصر الأمر على صيد الأسماك أو تربيتها، بل يتعلّق أيضًا بما يُصنع باستخدام تلك الأسماك:
  • تقليل الخسائر، وإضافة القيمة إلى المنتجات، وتسهيل الوصول إلى الأسواق والمستهلكين، ويشكّل كل ذلك جزءًا من حزمة إجراءات نعتقد أنه لا بدّ من اتخاذها للتأكد من أن القطاع يساهم بشكل أكبر في القضاء على الجوع والفقر.