تقارير وتحليلات

نشر في : 15-05-2024

حدثت في : 2024-05-16 14:44:37

بتوقيت ابوظبي

مصطفى شعبان

توصف الموارد المائية في المنطقة العربية بالندرة والتوزيع الجغرافي المتباين وزيادة المنافسة على الانتفاع بما يمثل واحدا من أهم التحديات المناخية والبيئية التي تواجهها بلادنا العربية.

وحسب تقارير الأمانة الفنية للمجلس الوزاري العربي للمياه فهناك مشاكل أخرى تتعلق بالمصادر والجداول ومصبات العديد من الروافد والأنهار، بما في ذلك الأنهار الكبرى مثل النيل والفرات ودجلة.

وكذلك المياه الجوفية التي تخضع لتقسيمات سياسية وإدارية مختلفة، سواء بين الدول العربية أو بين الجيران العرب وغير العرب.

وتشير التوقعات إلى مسار مثير للقلق مع وصول نقص المياه إلى مستويات حرجة، في ظل الآثار العميقة الناجمة عن الإجهاد المائي الشديد المتوقعة بحلول منتصف القرن الحالي.

مسار مثير للقلق مع وصول نقص المياه إلى مستويات حرجة

توقعات 2050 وتهديدات كارثية

دعا تقرير حديث لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى حتمية اتخاذ تدابير استباقية وجهود متضافرة لمعالجة الأزمة الوشيكة الخاصة بندرة المياه في المنطقة العربية قبل أن تصبح تداعياتها مستعصية على الحل.

وتشير التوقعات أنه بحلول عام 2050، سوف تواجه كل دولة في المنطقة إجهاداً مائياً مرتفعاً للغاية، يتضاعف تأثيره في ظل الصراعات السياسية والمعاناة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية في العديد من البلدان العربية بما قد يمثل تهديدا وجوديا.

ويشير تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى مخاطر غير مسبوقة قد تتعرض لها المنطقة في المستقبل المنظور أهمها:

  • ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية في المنطقة يعني انخفاضا بنسبة 75 في المائة في توافر المياه العذبة.
  • من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة العديد من بلدان المنطقة بنحو 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن.
  • ندرة المياه لا تهدد الوصول إلى مياه الشرب فحسب، بل تهدد أيضا الزراعة والصناعة والصحة العامة.
  • النتائج المباشرة للإجهاد المائي تعني تفاقم الفقر، فضلا عن الصراعات.
  • قد تغذي هذه الحالة الهجرة الجماعية حيث تبحث المجتمعات عن ملجأ في بيئات أكثر ملاءمة.

بحلول عام 2050، سوف تواجه كل دولة في المنطقة إجهاداً مائياً مرتفعاً للغاية

تغير المناخ المحرك الرئيسي

يظل تغير المناخ هو المحرك الرئيسي، لأزمة ندرة المياه وتظهر تداعياته في ارتفاع درجات الحرارة بما يفاقم معدلات التبخر وتقليص المصادر الحيوية لتجديد المياه، مثل الثلوج والأمطار.

يضاف إلى تغير المناخ تزايد السكان، والتوسع الحضري السريع، يمارس ضغوطا متزايدة على خزانات المياه وشبكات التوزيع المجهدة بالفعل.

كما تؤدي ممارسات استخدام المياه غير المستدامة إلى تفاقم الضغط، مما يزيد من عدم التوازن بين العرض والطلب على المياه.

الصراعات الجيوسياسية في المنطقة تمثل أيضا واحدا من العوامل المؤثرة في موارد المياه، حيث تعمل التوترات والصراعات السياسية غالبا على تعطيل البنية التحتية الأساسية للمياه وإعاقة الاستراتيجيات الفعّالة لإدارة المياه.

الصراعات تمثل واحدا من العوامل المؤثرة في موارد المياه

الحلول الواجبة

تسنلزم معالجة أزمة المياه في المنطقة اتباع نهج شامل لمعالجة الأسباب الجذرية لندرة المياها، والتركيز ليس فقط على الحفاظ على البيئة ولكن أيضًا على التعاون الاجتماعي والسياسي ومبادرات التنمية المستدامة، على المستويين الجماعي والوطني.

الجهد الجماعي:

تتطلب معالجة أزمة المياه في المنطقة جهدا جماعيا من كافة الأطراف ــ الحكومات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمجتمع الدولي.

كما يتطلب قيادة جريئة وحلولاً مبتكرة والتزامًا بالتضامن والتعاون في مواجهة التهديد الوجودي المشترك، وبذل جهود مركزة للتخفيف من تغير المناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

ويتطلب ذلك بدوره تعاوناً عالمياً والتزاماً بالانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وتنفيذ ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي.

وعلاوة على معالجة تغير المناخ، هناك حاجة ملحة لتحسين ممارسات إدارة المياه وتطوير البنية التحتية والاستثمار في تدابير الحفاظ على المياه، مثل الري بالتنقيط وتجميع مياه الأمطار، لتحسين استخدام المياه في الزراعة.

وعلى سبيل المثال، يمكن لاتفاقيات المياه العابرة للحدود وآليات الإدارة المشتركة للمياه أن تساعد في تخفيف الصراعات وضمان الوصول العادل إلى المياه لجميع أصحاب المصلحة.

ومن الممكن أن تلعب المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي دوراً حاسماً في تسهيل هذا التعاون والحوار.

ندرة المياة من اكبر التهديدات التي تواجه المنطقة العربية

على المستوى الوطني:

يجب على الدول العربية على المستوى الوطني أن تعطي الأولوية للأمن المائي وأن تدمجه في أجنداتها التنموية الأوسع.

ويستلزم ذلك الاستثمار في البنية التحتية للمياه، وتعزيز التقنيات الموفرة للمياه، وتنفيذ سياسات لتحفيز ممارسات الاستخدام المستدام للمياه.

كما يتطلب الأمر تحسين إدارة المياه والشفافية لضمان المساءلة والتوزيع العادل للموارد المائيةـ ويستلزم ذلك أيضًا تحديث البنية التحتية القديمة للمياه للحد من التسربات والخسائر وتحسين كفاءة توزيع المياه.

وهناك حاجة إلى زيادة المشاركة في قضايا المياه وزيادة الوعي العام حول أهمية الحفاظ على المياه وتمكين المجتمعات من اتخاذ الإجراءات اللازمة على المستوى الشعبي.

كما تلعب منظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص دورًا حاسمًا في دفع الابتكار وتعزيز ممارسات الإدارة المستدامة للمياه.

ندرة المياة من اكبر التهديدات التي تواجه المنطقة العربية

هناك ايضا حاجة إلى بناء القدرة على الصمود والقدرة على التكيف، وينبغي أن يشمل ذلك الاستثمار في البحث والتطوير التكنولوجي لتحسين كفاءة استخدام المياه، وتعزيز قدرات إعادة تدوير المياه وتحلية المياه، وتطوير الممارسات الزراعية القادرة على التكيف مع المناخ.

ويستلزم ذلك أيضًا دمج اعتبارات المياه في التخطيط والتنمية الحضرية لضمان النمو المستدام والقدرة على الصمود في مواجهة الصدمات المستقبلية.