تعاني السواحل من التآكل حول العالم بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر.
يعيش أكثر من 40% من سكان العالم في المناطق الساحلية، لكنها تعاني من ارتفاع منسوب سطح البحر، وكثير منها معرض للغرق في المستقبل، ومن المتوقع أن تنجرف 26% من الشواطئ بحلول نهاية القرن الحالي؛ خاصة مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تُسهم بصورة كبيرة في ارتفاع منسوب مياه البحر عبر ذوبان الجليد.
ويتسبب تآكل البنية التحتية الناتج عن تآكل السواحل في خسارة تقدر بمليارات الدولارات سنويًا. وتعمل الحكومات اليوم على تجنب ذلك، واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع ظاهرة تآكل السواحل. وتتضمن التدابير المتخذة: بناء الجدران البحرية أو حقن الإسمنت في الأرض. لكن، كانت هذه الوسائل غير فعّالة بصورة كبيرة، كما أنها مكلفة.
لذلك، قررت مجموعة بحثية من جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة الأمريكية أن تطور طريقة أكثر فاعلية، ويمكنها تعزيز الخط الساحلي البحري وحمايته من ظاهرة تآكل السواحل، وذلك باستخدام دفعة بسيطة من الكهرباء. ونشر الباحثون دراستهم في دورية "كوميونيكاشنز إيرث آند إينفيرونمنت" (communications earth & environment) في 22 أغسطس/آب 2024.
إلهام
ببساطة شديدة، استوحى الباحثون فكرتهم من الكائنات البحرية التي تُشكل أصدافًا مثل الرخويات والمرجان وبلح البحر وغيرها. تلك الكائنات تستخدم المعادن الذائبة في مياه البحر بصورة طبيعية عن طريق الطاقة الأيضية؛ لتكوين بعض المكونات مثل كربونات الكالسيوم الصلبة، وهي المكونة لأصداف الرخويات.
وبطريقة مشابهة، قرر الباحثون تكوين إسمنت طبيعي قوي بين حبيبات الرمل المغمورة في البحر باستخدام المعادن الذائبة في مياه البحر، وبدلًا من الطاقة الأيضية التي تستخدمها الكائنات البحرية، استخدموا الطاقة الكهربائية (بجهد 4 فولتات)؛ لتحفيز التفاعل الكيميائي المكون لهيدروكسيد المغنسيوم، وهو معدن موجود في الأحجار المختلفة، وعندما تلتحم هذه المعادن بعد التعرض للكهرباء في الرمال؛ تعمل مثل الغراء وتربط جزيئات الرمال مع بعضها؛ فتتكون مادة صلبة تشبه الصخور.
جرب الباحثون تلك التجربة مع أنواع مختلفة من الرمال، من رمال السيليكا، والرمال الكلسية، والرمال الحديدية (موجودة بالقرب من البراكين)، ولاحظوا نجاح التجربة في جميع أنواع الرمال.
فوائد
يرى مؤلفو الدراسة الكثير من الفوائد في الإسمنت الذي ابتكروه؛ فهو قوي من ناحية، وقادر على حماية السواحل بفاعلية من ناحية أخرى. إضافة إلى أنهم تأكدوا من الحفاظ على الحياة البحرية وعدم تضررها بجهد الكهرباء المستخدم في التجربة. كما أنّ تلك التجربة قابلة للعكس، ما يعني إمكان إزالة الرمال المتصلبة. وبذلك، يمكن التخلص منها في حال إذا وُجد بديلًا أكثر فاعلية.
وعلاوة على ذلك، توفر هذه الطريقة الكثير من الأموال المهدرة في إجراءات حماية السواحل، إذ تتكلف العملية ما بين 3 و6 دولارات لكل متر مكعب من الأرض المدعمة بالكهرباء.
وبذلك، توّصل الباحثون لإجراء أقل تكلفة، وأكثر صداقة للبيئة، ولا يُضر بالحياة البحرية، ودرع حماية للخط الساحلي ضد ارتفاع منسوب سطح البحر، والذي يهدد مدنًا بأكملها، وكثير منها مدن تراثية.