اتضح أنّ النظرية القائلة بأنّ الطيور تحفظ طاقتها عبر الهجرة فرضية خاطئة.
تهاجر الطيور سنويًا هروبًا من الشتاء القارس، بحثًا عن الدفء والغذاء. وعلى الرغم من المخاطر التي تواجهها تلك الطيور في أثناء هجرتها، فإنها تنجح في النهاية وتصل إلى وجهتها بسلام، وتُعد الهجرة من ضمن السلوكيات المعقدة للطيور والحيوانات عمومًا، ويسعى العلماء دائمًا لفهمها.
وفي هذا الصدد، أجرت مجموعة بحثية من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان دراسة يستكشفون فيها عن الخصائص الفسيولوجية لطائر مغرد مهاجر، وهو طائر الشحرور. وخرجوا بنتائج تكسر الفرضية المشهورة بأنّ الطيور المهاجرة توفر الطاقة عند الهجرة إلى المناطق الأكثر دفئًا. كانت تلك النتيجة مفاجئة. ونشر الباحثون نتائجهم في دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Nature Ecology & Evolution) في 18 سبتمبر/أيلول 2024.
تجميع بيانات
يُعد طائر الشحرور من الطيور المهاجرة جزئيًا؛ أي أنّ بعضها يُهاجر لقضاء فصل الشتاء في مناطق أكثر اعتدالًا، وبقيتها تظل. أما عن المجموعة المهاجرة؛ فهي تهاجر إلى مناطق مثل إسبانيا وفرنسا. ولمراقبة التغيرات الفسيولوجية لهذا الطائر في أثناء الهجرة، زرع الباحثون أجهزة صغيرة يمكنها قياس معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم في 120 طائر. وسجلوا بيانات كل 30 دقيقة خلال الفترة الزمنية بين سبتمبر حتى مايو/أيار التالي. بالإضافة إلى ذلك، تتبع الباحثون الطيور باستخدام أجهزة لاسلكية، وحصلوا على إشارات عندما هاجرت طيور الشحرور من ألمانيا في سبتمبر، وعادوا في مارس/آذار وأبريل/نيسان التالي.
تفاصيل
حسنًا، هكذا تمكن الباحثون من الحصول على كمية كبيرة من البيانات وحان وقت تحليلها لفهم الخصائص الفسيولوجية لحالة الهجرة تلك. بالفعل حلل الباحثون البيانات، وقارنوا كيفية اختلاف درجات حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب بين طيور الشحرور المهاجرة وغير المهاجرة. ومن خلال تلك البيانات الفسيولوجية، تمكن الباحثون من معرفة تفاصيل دقيقة حول تجربة الطيور في الهجرة؛ بدءًا من رحلة الهجرة إلى عودتها وتعافيها من تلك الرحلة الطويلة.
نتائج
كشف الباحثون عن نتائج مفادها بأنّ الفكرة الشائعة بخصوص توفير الطيور المهاجرة للطاقة كانت افتراضًا خاطئًا، بل إنّ سلوك الهجرة معقد أكثر مما نظن. ووجدوا من خلال البيانات أنّ طيور الشحرور حافظت على كمية كبيرة من الطاقة من أجل الرحلة، وذلك عبر تقليل عملية التمثيل الغذائي قبل 3 أسابيع من المغادرة. وهناك فائض من الطاقة، الذي يرجح الباحثون أنّ الطيور المهاجرة تستخدمه في بعض التكيفات الفسيولوجية في المناطق المعتدلة التي تقضي فيها فصل الشتاء، مثل: تحمل بعض الضغوطات، البقاء في حالة يقظة، وبعض الوظائف المناعية.
وخلص الباحثون إلى أنّ المناطق الأكثر دفئًا التي تهرب إليها الطيور في أثناء فصل الشتاء، لا تسهم في تقليل كمية الطاقة المستهلكة -كما هو الاعتقاد السابق- وهذا يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول الطبيعة التطورية لسلوك الهجرة عند الطيور. هذا بدوره يسهم في تعزيز فهمنا لما قد يحدث لأنماط هجرة تلك الطيور في ظل ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية التي يمر بها كوكبنا تلك الفترة.