على خلفية الحرارة التاريخية والتأثيرات المناخية واسعة النطاق، فإن وجهة نظر الإنسان بشأن تغير المناخ آخذة في التحول، مع تزايد عدد الأشخاص على مستوى العالم الذين يطالبون بمزيد من إجراءات التكيف والتخفيف، حسبما كشف مسح عالمي شامل جديد.
وجدت الطبعة الثانية من تصويت الناس للمناخ، التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة أكسفورد، مؤخرا، أن الغالبية العظمى من الناس على مستوى العالم يشعرون الآن بالقلق بشأن كيفية تأثير تغير المناخ في سبل عيشهم وصحتهم العقلية.
ماذا يريد البشر؟
تم إجراء استطلاع بـ87 لغة نهاية يونيو/حزيران، وشارك فيه أكثر من 73 ألف شخص من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الثقافية والجغرافية في 77 دولة، وهو ما يمثل 87% من سكان العالم.
ويأتي الاستطلاع باعتباره وقتا محوريا، إذ يُعد عام 2024 أكبر عام انتخابي عالمي على الإطلاق، حيث يحق لنحو 4 مليارات شخص -ما يقرب من نصف سكان العالم- التصويت.
وقال ما متوسطه 43% من الأشخاص في 89% من البلدان التي شملها الاستطلاع، إن حكوماتهم كان لها التأثير الأكبر في معالجة أزمة المناخ مقارنة بالشركات الكبرى (14%) والأمم المتحدة (13%) والناشطين في مجال البيئة (12%).
ويريد 4 من كل 5 أشخاص شملهم الاستطلاع (80%)، أن تبذل بلدانهم المزيد من الجهود بشأن تغير المناخ.
وينطبق هذا بشكل خاص على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة للمناخ، إذ يقول 89% من الأشخاص الذين يعيشون في أقل البلدان نمواً، إنهم يريدون أن تعزز بلادهم التزاماتها لمعالجة أزمة المناخ.
وتاريخياً، تتحمل البلدان الفقيرة والنامية العبء الأكبر على الرغم من مساهمتها الأقل في الانبعاثات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي.
وفي المقابل، فإن اقتصادات مجموعة العشرين -أكبر الاقتصادات في العالم- مسؤولة عن نحو 75- 80% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
الوقود الأحفوري مصدر الإزعاج
إن حرق الفحم والغاز الطبيعي والنفط لتوليد الكهرباء والحرارة يعد أكبر مصادر انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وهي المحرك الرئيسي للانحباس الحراري العالمي، من خلال حبس الحرارة في الغلاف الجوي ورفع درجة حرارة سطح الأرض.
لقد تضاعف الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري في السنوات الخمسين الماضية، إذ تهدف البلدان في جميع أنحاء العالم إلى تحسين مستويات معيشتها وإنتاجها الاقتصادي. في عام 2023، بلغت غازات الدفيئة الثلاثة الأكثر قوة -ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز- مستويات قياسية.
ويتفق علماء المناخ على أن تغير المناخ يتسارع بشكل أسرع من المتوقع، ويؤثر في جميع أنحاء العالم.
وقال نحو 72% من المشاركين في الاستطلاع، إنهم يريدون أن تبتعد بلادهم بسرعة عن الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتتبنى الطاقة النظيفة.
ويؤيد غالبية الناس الذين يعيشون في أكبر عشر دول منتجة للنفط والفحم والغاز في العالم، التحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة، ويتوقعون ذلك في العراق (43%)، وروسيا (16%).
الغليان العالمي ومعاناة البشر
جاءت درجات الحرارة في شهر مايو/أيار الماضي هي الأعلى على الإطلاق التي سُجلت لذلك الشهر، ما يمثل عامًا واحدًا من درجات الحرارة القياسية المتتالية بعد عام 2023، الذي سُجّل في التاريخ بوصفه العام الأكثر سخونة على الإطلاق.
وكان شهر مايو/أيار أيضًا أعلى بمقدار 1.52 درجة مئوية من متوسط ما قبل الثورة الصناعية في الفترة ما بين 1850 و1900، وهو الشهر الحادي عشر على التوالي الذي تجاوزت فيه درجات الحرارة عتبة الاحترار العالمي، البالغة 1.5 درجة مئوية المحددة في اتفاقية باريس.
وبينما هذا لا يشير إلى انتهاك دائم للحد الحرج، الذي يقول العلماء إنه يجري قياسه على مدى عقود، فإنه يرسل تحذيرا واضحا للبشرية بأننا نقترب من نقطة اللاعودة بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا.
ومع تزايد وضوح آثار تغير المناخ، يطالب ما يقرب من ثمانية من كل عشرة، أو 78% من الأشخاص، بمزيد من الحماية من الأحداث الجوية المتطرفة، التي تشمل موجات الحر والجفاف والأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير المدارية والأعاصير، ويريد 81% المزيد من العمل على الطبيعة.
وعانت العديد من البلدان من بعض أسوأ الأحداث المناخية المتطرفة في التاريخ في السنوات القليلة الماضية؛ بدءًا من موسم حرائق الغابات الأكثر تدميراً على الإطلاق في كندا وأستراليا إلى الفيضانات المدمرة في ليبيا التي يقول الخبراء إنها كانت أكثر احتمالاً وشدة بما يصل إلى 50 مرة بسبب تغير المناخ، وباكستان، فقد مات الآلاف من الناس وشرد الملايين.
دعم الفقراء لمعالجة تغير المناخ
قالت الغالبية العظمى من الناس (79%) أيضًا، إنهم يريدون من الدول الأكثر ثراءً دعم الدول الفقيرة لمعالجة تغير المناخ. وقد طالب هؤلاء الأخيرون على مدى عقود من الزمن بتمويل المناخ والتعويض عن الخسائر والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الناجمة عن تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية، والمعروف أيضا باسم "الخسائر والأضرار".
وقبل عامين فقط -خلال قمة المناخ السابعة والعشرين للأمم المتحدة في مصر- توصلت البلدان أخيراً إلى اتفاق لإنشاء صندوق للخسائر والأضرار، لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع الأضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي.
ومع ذلك، حتى الآن، لم يصل إجمالي الالتزامات إلا إلى 661 مليون دولار أمريكي، أي أقل من 0.2% من الخسائر الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تواجهها البلدان النامية كل عام، بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تُقدر بما لا يقل عن 400 مليار دولار أمريكي سنويًا، ومن المتوقع أن تنمو مع مرور الوقت لتشتد الأزمة.