توصلت دراسة حديثة إلى أن الرياح والأمطار الشديدة قد تؤدي إلى تفشي الجراد الصحراوي بشكل أكبر، وأسوأ بما يمثل تهديدا لغذاء العالم.
ورجحت الدراسة التي نشرتها مجلة "Science Advances" احتمال أن يؤدي تغير المناخ الذي يسببه الإنسان إلى تكثيف أنماط الطقس والتسبب في مخاطر تفشي هذه "الآفة المهاجرة" المرض بشكل أكبر.
والجراد الصحراوي -وهو نوع قصير القرون يوجد في بعض المناطق الجافة في شمال وشرق أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا- هو حشرة مهاجرة تنتقل في أسراب الملايين لمسافات طويلة وتدمر المحاصيل، مما يسبب المجاعة وانعدام الأمن الغذائي.
ويضم سرب يبلغ طوله كيلومترا مربعا 80 مليونا من الجراد، ويمكن أن يستهلك في يوم واحد محاصيل غذائية تكفي لإطعام 35 ألف شخص.
وتصفها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة هذه الأسراب من الجراد بأنها "الآفة المهاجرة الأكثر تدميرا في العالم".
آثار مالية ضخمة
يمكن أن يكون لتفشي الجراد الكبير آثار مالية ضخمة، وقد كلفت الاستجابة لتفشي الجراد الذي حدث في غرب أفريقيا في الفترة من 2003 إلى 2005 أكثر من 450 مليون دولار، وفقا للبنك الدولي، وتسبب تفشي المرض في خسائر تقدر بنحو 2.5 مليار دولار في المحاصيل.
وكشفت الدراسة أن حالات التفشي هذه "سيكون من الصعب بشكل متزايد منعها والسيطرة عليها" في مناخ دافئ.
وقال شياو قانغ هي، مؤلف الدراسة والأستاذ المساعد في جامعة سنغافورة الوطنية، إن الظواهر الجوية المتطرفة المتكررة والشديدة بسبب تغير المناخ يمكن أن تزيد من عدم القدرة على التنبؤ بتفشي الجراد.
لكنه أعرب عن أمله في أن تساعد الدراسة البلدان على فهم ومعالجة "آثار التقلبات المناخية على ديناميكيات الجراد، لا سيما في سياق تداعياتها على الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي"، وحث على تحسين التعاون الإقليمي والقاري بين البلدان ومنظمات المكافحة للاستجابة، بسرعة وبناء أنظمة الإنذار المبكر.
وقال الفاتح عبد الرحمن، العالم في المركز الدولي لفسيولوجيا وبيئة الحشرات والذي لم يشارك في الدراسة، إن "تفشي الجراد الصحراوي على نطاق واسع بسبب تغير المناخ سيهدد بشكل كبير سبل العيش في المناطق المتضررة بسبب انخفاض إنتاج الغذاء وزيادة الأسعار في المنتجات الغذائية".
تفشي الجراد وتغير المناخ
لتقييم مخاطر تفشي الجراد في أفريقيا والشرق الأوسط وارتباطها بتغير المناخ، قام العلماء بتحليل حوادث تفشي الجراد الصحراوي في الفترة من 1985 إلى 2020 باستخدام أداة بيانات مركز الجراد التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة.
التحليل قام على بناء إطار يعتمد على البيانات لفحص أنماط الحشرات لمعرفة الأسباب، التي قد تسبب تفشي المرض عبر مسافات طويلة
ووجدوا أن 10 دول، بما في ذلك المغرب وكينيا والمغرب والنيجر واليمن وباكستان، شهدت غالبية تفشي الجراد بين 48 دولة متأثرة.
وضرب أسوأ انتشار للجراد الصحراوي منذ 25 عاما شرق أفريقيا في عامي 2019 و2020، عندما اجتاحت الحشرات مئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الزراعية وألحقت أضرارا بالمحاصيل والأشجار وغيرها من النباتات، مما أثر على الأمن الغذائي وسبل العيش.
ووجد الباحثون أيضا صلة قوية بين حجم تفشي الجراد الصحراوي وظروف الطقس والأرض مثل درجة حرارة الهواء وهطول الأمطار ورطوبة التربة والرياح، من المرجح أن يغزو الجراد الصحراوي المناطق القاحلة التي تتلقى أمطارا غزيرة مفاجئة، ويتأثر عدد الحشرات في حال تفشي المرض بشدة بالظروف الجوية.
كما أن ظاهرة النينيو، ظاهرة مناخية طبيعية ومتكررة تؤثر على الطقس في جميع أنحاء العالم، كانت مرتبطة بقوة أيضا بتفشي الجراد الصحراوي بشكل أكبر وأسوأ.
وقال دوجلاس تالامي، أستاذ علم الحشرات بجامعة ديلاوير، والذي لم يكن جزءا من البحث، إن الطقس غير المنتظم وهطول الأمطار يؤديان إلى طفرات في الغطاء النباتي وبالتالي يؤديان إلى نمو هائل في أعداد الجراد، مضيفا "مع زيادة هذا التقلب، من المنطقي التنبؤ بتزايد تفشي الجراد أيضاً".
نداء تنبيه قوي جدا
ترى باولا شروزبري، أستاذة علم الحشرات بجامعة ميريلاند، أن نتائج الدراسة تشير إلى مثال آخر على ما ينبغي أن يكون بمثابة "نداء تنبيه قوي جدا" على المجتمعات في جميع أنحاء العالم أن تتحد معا للحد من تغير المناخ وآثاره، ولكن أيضا لتنفيذ استراتيجيات استجابة للأحداث العالمية مثل التهديدات المتزايدة للصحراء.
ووجدت الدراسة أن المواقع المعرضة للخطر بشكل خاص مثل المغرب وكينيا لا تزال شديدة الخطورة، لكن موائل الجراد توسعت منذ عام 1985، وتتوقع أنها ستستمر في النمو بنسبة 5% على الأقل بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، كما هو متوقع في غرب الهند وغرب آسيا الوسطى.
وتعطي مثال صحراء الربع الخالي في جنوب شبه الجزيرة العربية، كمكان لم يكن شائعا تاريخيا لتفشي الجراد الصحراوي، ولكنه أصبح بعد ذلك نقطة ساخنة.
وشهدت الصحراء تفشي الجراد في عام 2019 بعد تكاثره غير المنضبط في أعقاب الأعاصير، التي ملأت الصحراء ببحيرات المياه العذبة.
وقال مؤلف البحث شياو قانغ إن البلدان المتضررة من تفشي الجراد الصحراوي تتصارع بالفعل مع الظروف المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحرارة، والتصاعد المحتمل لمخاطر الجراد في هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التحديات القائمة.
وأضاف "الفشل في معالجة هذه المخاطر يمكن أن يزيد من الضغط على أنظمة إنتاج الغذاء ويؤدي إلى تفاقم حدة انعدام الأمن الغذائي العالمي".