انتهى COP28 بنتائجه التاريخية، بعضها حظي باهتمام واسع، والبعض الآخر لم ينل التركيز نفسه، على الرغم من أنه يمثل مكاسب ضخمة في قطاعات مهمة للبشرية.
اختتم أول تقييم عالمي لاتفاق باريس في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28)، الذي عقد في دبي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بنص نهائي تاريخي على المستويات كافة.
شملت عملية التقييم العالمي الأول، التي قادتها الأمم المتحدة، مراجعة التقدم وأوجه القصور في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، الذي دخل حيز التنفيذ في 2016.
بشكل عام، تهدف عملية التقييم لدعم العمل المناخي خلال السنوات المقبلة، وحشد قادة العالم لرفع طموحاتهم، والمضي قدما في تنفيذ أهداف الاتفاق.
تضمن النص النهائي للتقييم العالمي، لأول مرة في تاريخ مؤتمر الأطراف، دعوة إلى "الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة"، وهي النتيجة التي حظيت باهتمام الجميع، من وسائل الإعلام وحتى الخبراء وأصحاب المصلحة.
لكن وسط الخطاب الدائر حول الوقود الأحفوري، والتزامات الطاقة المتجددة، وسياسات COP، تضمن التقييم العالمي أيضا العديد من المكاسب المهمة التي تغاضت عنها وسائل الإعلام الدولية والجماعات والمنظمات المهتمة بقضية المناخ.
الغابات والطبيعة
يعترف النص النهائي للتقييم العالمي الأول لاتفاق باريس بالحاجة الماسة للحفاظ على الطبيعة والنظم البيئية وحمايتها واستعادتها. ويؤكد تعزيز الجهود لوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهورها بحلول عام 2030.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يسلط الضوء على أهمية الاستثمارات المالية المدعومة بحوافز السياسات لتعزيز الحفاظ على الغابات وإدارتها المستدامة.
يعتبر إدراج هذه الأولوية في نتائج التقييم العالمي أمرًا ذا أهمية خاصة، نظرا لتأثيرات التدهور السريع وإزالة الغابات على مستوى العالم.
على الرغم من الالتزامات العالمية بحماية الغابات، فقدت المناطق الاستوائية 10% من الغابات المطيرة الأولية في عام 2022 مقارنة بعام 2021، وفقا لمنظمة مراقبة الغابات العالمية.
بلغ إجمالي فقدان الغابات الاستوائية القديمة في عام 2022، نحو 4.1 مليون هكتار، مما أدى إلى انبعاث 2.7 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل انبعاثات الوقود الأحفوري السنوية في الهند.
يؤكد النص النهائي المساهمات التي يمكن أن تقدمها جهود الحفاظ على الغابات وحمايتها نحو تحقيق هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس، المتمثل في إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري أقل بكثير من درجتين مئويتين.
علاوة على ذلك، فإنه يسلط الضوء على الفوائد المشتركة التي تركز على البشر لوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهورها، بما في ذلك تسريع التنمية المستدامة والقضاء على الفقر.
النقل
تتطلب صناعة النقل، بما في ذلك الطيران والشحن البحري والنقل البري، إزالة الكربون بشكل حاد، حيث لا تزال معظم وسائل النقل تعتمد على الوقود الأحفوري.
بشكل عام، زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن وسائل النقل بأكثر من 70% منذ عام 1990.
تمثل الصناعة الآن أكثر من 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم، مما يؤكد الحاجة إلى وسائل نقل خالية من الانبعاثات.
تؤكد نتائج التقييم العالمي أهمية إزالة الكربون من قطاع النقل، وتدعو الأطراف لتحقيق ذلك عبر التحول إلى السيارات الكهربائية، وتوسيع نطاق البنية التحتية، والاستثمار في الوقود النظيف لقطاعي الشحن البحري والطيران.
يتطلب هذا التحول جهدًا عالميا للاعتراف بالحاجة إلى كفاءة الطاقة والموارد في قطاع النقل وتلبيتها. كما يعد التعاون عبر القطاعات ضروريًا أيضًا لتحقيق السياسات والاستثمارات التي ستحدث تحولًا في صناعة النقل البري.
لتحقيق أهداف اتفاق باريس، يحتاج العالم إلى تبني وسائل النقل الخالية من الانبعاثات بسرعة، كما اعترفت بذلك نتائج التقييم العالمي الأول.
شدد النص على أهمية دعم الحكومات المحلية لإزالة الكربون من قطاع النقل، بالإضافة إلى زيادة الأموال المخصصة لأبحاث وتطوير الوقود النظيف لتعزيز التحول الأخضر لصناعات الشحن البحري والطيران.
الميثان
كثيراً ما تتغاضى الأطراف عن غاز الميثان في محادثات الاستدامة العالمية، حتى مع دعوة العلماء مراراً وتكراراً إلى التخفيض الجذري لانبعاثات الميثان، وهو ما كسره مؤتمر COP28.
تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الانبعاثات في قطاع الطاقة لا يبلغ عنها بنسبة 70%، وهو ما يجعل تحديد تسربات غاز الميثان والافتقار إلى الشفافية حول هذه الانبعاثات مشكلة عالمية.
في الولايات المتحدة، وجدت الأبحاث التي أجراها صندوق الدفاع عن البيئة أن صناعة النفط والغاز في البلاد كانت تطلق ما لا يقل عن 13 مليون طن متري من غاز الميثان سنويا، أي نحو 60٪ أكثر من تقديرات وكالة حماية البيئة في ذلك الوقت.
من هنا جاءت أهمية إدراج غاز الميثان في عملية التقييم العالمي، والذي دعا البلدان في نصه النهائي للتخلص من انبعاثات الميثان.
تدعم هذه الدعوة التعهد العالمي لغاز الميثان الذي أعلن عنه في مؤتمر غلاسكو في عام 2021، وانضمت له حتى الآن أكثر من 130 دولة، بهدف خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% عن مستويات 2020 بحلول عام 2030.
لم يغفل التقييم العالمي أيضا انبعاثات الميثان من قطاع الزراعة، الذي يعد أكبر مصدر بشري لها وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، داعيا إلى بناء إدارة مستدامة لاستخدام الأراضي والممارسات الزراعية لتعزيز أهمية الحد من التأثيرات البيئية لهذه الأنشطة، خاصة الانبعاثات غير الكربونية مثل غاز الميثان.
الغذاء
اهتم النص الختامي للتقييم العالمي بقضية الغذاء بشكل غير مسبوق، معترفا بخطورة تأثيره وتأثره بتغير المناخ.
يؤكد النص ضرورة الأولوية الأساسية المتمثلة في حماية الأمن الغذائي والقضاء على الجوع، ومواطن الضعف الخاصة لنظم إنتاج الأغذية في مواجهة الآثار الضارة لتغير المناخ.
يشجع على تنفيذ حلول متكاملة ومتعددة القطاعات، مثل إدارة استخدام الأراضي، والزراعة المستدامة، والنظم الغذائية القادرة على الصمود، والحلول القائمة على الطبيعة والنهج القائمة على النظم الإيكولوجية.
يدعو الأطراف إلى تحقيق إنتاج غذائي وزراعي قادر على الصمود في وجه تغير المناخ وإمدادات الأغذية وتوزيعها، فضلا عن زيادة الإنتاج المستدام والمتجدد والوصول العادل إلى الغذاء والتغذية الكافية للجميع.
شهد COP28 أيضا إصدار إعلان الإمارات بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، الذي وقعه 134 طرفا.
أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، في يوم الغذاء بالمؤتمر "خارطة طريق عالمية" لتحقيق الأمن الغذائي دون تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية.
الصحة
يسلم نص التقييم العالمي بأن تغير المناخ هو شاغل مشترك للبشرية وأنه ينبغي للأطراف، عند اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، أن تحترم وتعزز وتنظر في التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، والحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، والحق في الصحة، من بين أمور أخرى.
يدعو النص الأطراف لتحقيق القدرة على الصمود في مواجهة الآثار الصحية المرتبطة بتغير المناخ، وتعزيز الخدمات الصحية المقاومة للمناخ، والحد بشكل كبير من الإصابة بالأمراض والوفيات المرتبطة بالمناخ، لا سيما في المجتمعات الأكثر ضعفا.
في 3 ديسمبر/كانون الأول، وهو أول يوم موضوعي للصحة على الإطلاق في تاريخ مؤتمر الأطراف، أعلنت الرئاسة إعلان الإمارات بشأن المناخ والصحة، الذي وقع عليه 123 دولة.
اعترف الإعلان "بالحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ" لتحقيق نتائج صحية أفضل، من خلال التخفيضات العميقة والسريعة والمستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة".
نهج متعدد القطاعات
يؤكد النص النهائي للتقييم العالمي أنه يتعين على القطاعين العام والخاص أن يعملا معا للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وحماية الموارد الطبيعية، والقضاء بسرعة على الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يتطلب الطريق إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين ومؤتمر الأطراف الثلاثين إرادة سياسية غير مسبوقة لتطور البلدان استراتيجيات جديدة للعمل المناخي من خلال المساهمات المحددة وطنيا وخطط التكيف الوطنية.
وسيوفر العامان التاليان فرصة فريدة وحاسمة لتسريع العمل على الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وتحسين القدرة على الصمود والقدرات على التكيف، وضمان التمويل الكافي والمتاح.
علاوة على ذلك، يؤكد التقييم العالمي أهمية إشراك المجتمعات المحلية والخبراء في أثناء تخطيط وتنفيذ استراتيجيات متعددة القطاعات لضمان تضمين جميع الأصوات عند نشر الحلول من أجل مستقبل مستدام.