عاشت الشعاب المرجانية على سطح الأرض منذ ما يقرب من 500 مليون سنة مضت. وهي بذلك من أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض، وتحتل مكانة خاصة؛ نظرًا لفوائدها العديدة للنظام البيئي.
لكن، تتزايد المخاطر الموجهة للشعاب المرجانية يومًا بعد يوم؛ نتيجة لعدة عوامل كلها متعلقة بالأنشطة البشرية، ومنها التغيرات المناخية التي يعاني منها الكوكب اليوم، والتي تقود إلى ارتفاع مفرط في درجات الحرارة لا تسلم منه الشعاب المرجانية، ويتجلى ذلك في تعرضها إلى ظاهرة الابيضاض. وتتسبب هذه الظاهرة في فقد الشعاب المرجانية لألوانها الزاهية إلى اللون الأبيض، وتتأثر معدلات نموها وقدراتها التكاثرية، ما يهدد بقاءها.
تلك الكائنات مرنة، استطاعت في السابق تحمل ظروف قاسية والبقاء على قيد الحياة، والدليل أنها تعيش على الأرض منذ ملايين السنين ومرت بظروف بيئية مختلفة، واستطاعت إثبات قدراتها على المرونة والتكيف والحفاظ على بقائها.
والبقاء في مثل تلك الظروف يتطلب تطوير قدرات تكيفية عالية، يستكشفها العلماء يومًا بعد يوم. من ضمنهم مجموعة علماء من الولايات المتحدة الأمريكية، والذين وجدوا أنّ يرقات المرجان الصغيرة يمكنها الحفاظ على الطحالب في درجات الحرارة المرتفعة. والجدير بالذكر أنّ الشعاب المرجانية تتكون من هياكل المرجان والطحالب تعيش معًا في علاقات تكافلية. ونشر الباحثون ما توّصلوا إليه في دورية "بلوس بيولوجي" (PLOS Biology) في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
حيلة
في أغلب الأحيان، يُركز الباحثون المتخصصون أبحاثهم على الشعاب المرجانية البالغة؛ علمًا بأنّ أعمارها قد تصل إلى 10 آلاف سنة. وهي بذلك تُعد تراث يجب الحفاظ عليه. لكن الجديد أنّ الباحثين قرروا العمل على يرقات المرجان الصغيرة. وهذا النوع من الأبحاث ليس كثيرًا. لكن مؤلفي الدراسة نصبوا تركيزهم على فهم مدى تحمّل الشعاب المرجانية لهذه الحرارة المرتفعة. لذلك، قاموا بتعريض يرقات المرجان والطحالب التي تعيش معها في علاقة تكافلية إلى درجات الحرارة المرتفعة بمقدار يزيد على 2.5 درجة مئوية مقارنة بالحرارة المحيطة بما يتوافق مع التغيرات المتوقعة في درجات الحرارة في مياه البحر نتيجة التغيرات المناخية، كنوع من المعايشة؛ لفهم تأثير ذلك على اليرقات المرجانية.
وهنا كشف الباحثون عن حيلة تتخذها يرقات المرجان من أجل البقاء؛ إذ لم تُظهر أي علامات للابيضاض في ظل الحرارة المرتفعة، بل وكانت الطحالب قادرة على حفظ معدلات عملية التمثيل الضوئي التي تحصل من خلالها على الغذاء وتوفره للمرجان. وجد الباحثون أيضًا أنّ معدل التمثيل الغذائي للمرجان انخفض بنسبة 19%. كما لاحظوا زيادة امتصاص وتخزين المرجان للنيتروجين. وهذه الاستراتيجيات مهمة لتعزيز بقاء المرجان والحفاظ على الطاقة والموارد؛ ما يمنع الطحالب من النمو المفرط الذي قد يُخل التوازن في علاقة الطحالب والمرجان التكافلية، ويحفظها.
بالطبع هناك حاجة للمزيد من الأبحاث والدراسات للبحث بعمق في مدى تأثر واستجابة المرجان للحرارة المرتفعة؛ لفهم مدى قدرة تحمل المرجان في أسوأ السيناريوهات المناخية التي قد تمر على الأرض.