قصص

نشر في : 24-12-2023

حدثت في : 2024-03-06 17:57:37

بتوقيت ابوظبي

آلاء عمارة

بدأت معركة صندوق الخسائر والأضرار منذ وقت طويل، لكن لعبت مصر دوراً محورياً في الموافقة على إنشائه، وتابعت دولة الإمارات المهمة.

بعد ساعتين من افتتاح مؤتمر الأطراف في دورته الثامنة والعشرين (COP28) في يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يسأل رئيس المؤتمر الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الحاضرين في القاعة الممتلئة، عما إذا كانت هناك أي اعتراضات على النص الأخير الخاص بصندوق الخسائر والأضرار، لا يظهر أحد أي اعتراض، فيطرق "الجابر" بمطرقته، وينطلق تصفيقاً حاراً، ويتم الإعلان عن قرار تفعيل صندوق الخسائر والأضرار.

قبل ذلك بزمن

أدركت الدول الجزرية الصغيرة أنها في مواجهة التغيرات المناخية، خاصة مع ارتفاع منسوب سطح البحر، وتعرضها للغرق والزوال، وفي عام 1991، اقترحت «فانواتو»، نيابة عن تحالف الدول الجزرية الصغيرة صندوقًا للتعويضات في أحد مؤتمرات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وقتها كانت «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC) قد أصدرت تقريرها التقييمي الأول عام 1990، وأوضحت فيه أنّ التغير المناخي حقيقة علمية وتحتاج إلى حل.

وانتقلت فكرة صندوق التعويضات هذا إلى مؤتمرات الأطراف بشأن تغير المناخ (COP). وفي ظل الصراعات المستمرة بين الأطراف كان يتم تأجيل فكرة الصندوق كل مرة، إلى أن اقتربت الدورة التاسعة عشرة من مؤتمر الأطراف (COP19) في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 في العاصمة البولندية وراسو. لكن قبل انطلاقها بأيام قليلة ضرب إعصار هايان الفلبين، وأثرت بالسلب على حياة ملايين السكان، ما دفع «نادريف سانو»، قائد الوفد الفلبيني إلى أن يقرر الصيام عن الطعام خلال فترة المؤتمر، حتى تصل المفاوضات إلى تقدم يساعد تلك الدول المعرضة للكوارث المناخية، وانضم إلى "سانو" العديد من حضور المؤتمر وقرروا الصيام كنوع من الضغط على الأطراف، وأخيرا خرج المؤتمر بقرار إنشاء آلية وارسو الدولية المعنية بالخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ.

وفي عام 2015 انتقلت الكرة إلى ملعب العاصمة الفرنسية باريس، حيث انعقد مؤتمر الأطراف في دورته الواحدة والعشرين (COP21)، لم يكن هذا المؤتمر عادياً فقد كان من المنتظر أن يخرج اتفاق جديد يحل محل بروتوكول "كيوتو" الذي أوشكت فترة الالتزام الثانية له على الانتهاء، وبالفعل خرج «اتفاق باريس»، الذي تضمن المادة 8، المعنية بصندوق الخسائر والأضرار.

دبلوماسية مصر

ظلت الحركات البيئية تطالب بتحقيق العدالة المناخية وإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، إلى أن حلّ عام 2022، والذي كان في استقبال مؤتمر الأطراف في دورته السابعة والعشرين (COP27) بمدينة شرم الشيخ، مصر. لكن قبل المؤتمر بشهرين تقريباً اندلعت الفيضانات في باكستان، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية فادحة، وصفها الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» بأنها "مذبحة مناخية"، ما دعم موقف صندوق الخسائر والأضرار على طاولة المفاوضات المصرية في COP27.

وبالفعل امتد 36 ساعة عن موعد الاختتام المحدد مسبقًا، أثمرت تلك الساعات الأخيرة عن موافقة الأطراف على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وكان ذلك هو أبرز ما خرج من شرم الشيخ العام الماضي.

من جانبه، قال الدكتور «علي أبوسنة»، الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة ومساعد وزيرة البيئة المصرية للمشروعات، في حوار خاص لـ"العين الإخبارية" على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف COP28 الذي استضافته دولة الإمارات في مدينة الاستدامة إكسبو دبي، خلال الفترة 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023: "بدأت مصر المهمة الصعبة، وهي قيادة المفاوضات نحو الموافقة على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وكان هذا أمراً صعباً. لكنها استطاعت تحقيقه، ثم عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على اللائحة التنفيذية". وأوضح في حديثه أنّه من الجيد للدول العربية أن تلعب هذا الدور في إنشاء الصندوق.

أما «لينا ياسين»، مفاوضة في الوفد السوداني؛ فقد قالت لـ«العين الإخبارية»: "يُعد صندوق الخسائر والأضرار خطوة رائدة ومهمة في مسار الاعتراف بالأضرار الجسيمة الناجمة عن التغيرات المناخية والتي لا يمكن تلافيها". وتابعت: "بالنسبة للدول العربية، يمثل هذا الصندوق فرصة للمطالبة بتعويضات للخسائر الغير قابلة للتعويض، كتلك التي تعاني منها المناطق الجافة والمدن الساحلية التي تواجه خطر الغمر؛ بسبب ارتفاع مستويات البحر. إنه يتيح الفرصة لتوفير الدعم المالي اللازم لتعويض هذه الخسائر، ويعكس تقديرًا للأثر العميق والدائم الذي تركته التغيرات المناخية على هذه المجتمعات".

من جانبه، يرى أحمد الدروبي، مدير الحملات في شبكة العمل المناخي (CAN)، أنّ هذا العمل جاء بعد حملات كثيرة طلبت أن تكون الخسائر والأضرار أولوية في مفاوضات المناخ، إلى أن وصلت رئاسة المؤتمر إلى مصر، وقال لـ«العين الإخبارية»: "لعبت الرئاسة المصرية دوراً كبيراً في توحيد مجموعة الـ77، والوقوف وقفة واحدة، وهذا شيء لم يحصل في تاريخ الـCOP من قبل، وكانت هذه من المرات القليلة جداً التي حقق فيها الـCOP نجاحاً حقيقياً لقضية العدالة المناخية التي تناصر الشعوب الفقيرة".

ويتفق الدكتور فاضل قابوب، رئيس المعهد العالمي للازدهار المستدام، مع أحمد الدروبي، وقال لـ«العين الإخبارية»: "هذا المجهود استغرق سنوات طويلة، خاصة من الدول النامية، لكن مصر، لعبت دوراً محورياً العام الماضي، في قيادة هذا المجهود، لتوحيد الدول النامية خلف قبة واحدة كبيرة. وكان هذا انتصاراً مفاجئاً العام الماضي في شرم الشيخ".

ومن جانبه، قال الدكتور هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لـ«العين الإخبارية»: "لم تنجح مؤتمرات الأطراف منذ عام 2016 وحتى عام 2021 في إخراج الصندوق إلى النور؛ وبالتالي فإن نجاح مؤتمر الأطراف في شرم الشيخ في إصدار قرار بإنشاء الصندوق هو نجاح لرئاسة المؤتمر في الوصول إلى إجماع دولي لتحقيق ذلك".

بين المؤتمرين

علّق الدكتور هشام عيسى لـ«العين الإخبارية»: "بطبيعة الحال؛ فإنّ الفترة بين المؤتمرين كانت حافلة بالجهود للوصول إلى ما تحقق في دبي". وبالفعل، تم إنشاء لجنة انتقالية مكونة من 24 دبلوماسياً؛ لمناقشة تفاصيل الصندوق، وشمل ذلك: مكان إقامته، طرائق تمويله، وأي الدول ستدفع. كما عقدت اللجنة الانتقالية عدداً من الاجتماعات وورش العمل لتطوير تفاصيل الصندوق.

ويحكي "الدروبي" في حديثه مع "العين الإخبارية" أنّ خلال تلك الاجتماعات الانتقالية، ظهرت الانقسامات واضحة بين دول الشمال والجنوب، لكن كانت هناك بعض المبادرات والتنازلات من الجهتين، ساعدت في تقدم وتطوير الصندوق.

في دولة الإمارات

في الليلة السابقة للمؤتمر COP28؛ أصدرت رئاسة المؤتمر نصاً مقترحاً، يستند على النص الذي اتفقت عليه الأطراف في الجلسة النهائية للجنة الانتقالية، والتي انتهت قبل 3 أسابيع من المؤتمر. اعترضت الولايات المتحدة في بادئ الأمر، لكنها وافقت على الرأي الذي أيدته جميع الأطراف، وأعلن الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ورئيس مؤتمر الأطراف COP28، عن إنشاء الصندوق رسمياً في اليوم الأول من المؤتمر.

وقتها قال الدكتور سلطان الجابر: "اجتمع العالم من أجل تشغيل صندوق الخسائر والأضرار في غضون عام واحد منذ أن وافقت عليه الأطراف في شرم الشيخ، وهذه سرعة غير مسبوقة". وأضاف الجابر: "سيدعم هذا الصندوق مليارات الأشخاص، وسيدعم حياتهم وسبل عيشهم المعرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ".

حركة استراتيجية

بادرت دولة الإمارات بتقديم أول تعهد لتمويل الصندوق بمبلغ 100 مليون دولار، وقدمت الدول الأخرى تعهدات أيضاً على رأسها ألمانيا، التي تعهدت بـ 100 مليون دولار، والمملكة المتحدة بـ60 مليون جنيه إسترليني واليابان بـ10 ملايين، والولايات المتحدة بـ17.5 مليون دولار. تشمل التعهدات الأخرى: الدنمارك 50 مليون دولار، النرويغ: 25 مليون دولار، إيرلندا والاتحاد الأوروبي: 27 مليون دولار، كندا: أقل من 12 مليون دولار، سلوفينيا: 1.5 مليون دولار.

ومع مبادرة دولة الإمارات لتمويل الصندوق، ظهرت العديد من النقاشات حول ما إذا كانت الدول الغنية، حتى وإن كانت نامية، مسؤولة عن تمويل الصندوق. وفي هذا الصدد؛ قال الدكتور هشام عيسى لـ«العين الإخبارية»: "تُصنف العديد من الدول الغنية على أنها نامية وليست متقدمة؛ ولأن الالتزام الخاص بالتمويل وفقًا للمادة التاسعة من اتفاق باريس، يُلزم دول المرفق الأول (الدول المتقدمة) بتوفير التمويل المناخي؛ فإنّ مساهمة أي دولة أخرى في تمويل الصندوق، يأتي في إطار التطوع وليس الإلزام".

من جانب آخر، قالت مؤسسة «ذا لوز آند دامدش كولابوراشن» (The Loss & Damage Collaboration)، لـ«العين الإخبارية» عبر البريد الإلكتروني: "من المهم أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعهدت بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي للصندوق. وكدولة نامية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست ملزمة بالقيام بذلك، لكنها تعهدت من منطلق الصلابة. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن البلدان المتقدمة، وهي المسؤولة بشكل كبير عن أزمة المناخ، هي التي يجب أن تدفع حصتها العادلة في الصندوق وفقًا لالتزاماتها فيما يتعلق بتمويل المناخ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس".

وعلّق "الدروبي" على مبادرة الإمارات بتمويل الصندوق بأنها كانت "حركة استراتيجية ودبلوماسية جداً من دولة الإمارات"؛ وشرح لـ«العين الإخبارية»: "يُعد التمويل أكبر النقاط الجدالية فيما يخص الصندوق؛ فدائمًا ما يكون السؤالين الأهم هما: من المسؤول عن دفع الأموال؟ ومن لديه أحقيه الحصول عليها؟"، وأوضح "الدروبي" أنّ مبادرة دولة الإمارات بتمويل الصندوق، ساعدت في إسقاط الحجة المتعارف عليها لدى بعض الدول المتقدمة، وهي أنّ هناك دول أخرى غنية عليها أن تدفع أموالاً للصندوق أيضاً.

ويتفق عيسى مع الدروبي، ويُضيف لـ«العين الإخبارية»: "كان الأمر يحتاج إلى تفعيل الصندوق، وقيام الدول غير المدرجة بالمرفق الأول بتوفير تعهدات لتمويل الصندوق، يشجع كافة الأطراف المفترض أنها ملتزمة طبقًا للاتفاقية لتقديم التمويل المطلوب للصندوق". أما عن الدكتور فاضل قابوب؛ فيرى أنّ تمويل الصندوق كان ضروري للتأكد من نجاح إنشاءه.

من أول يوم!

إنّ وضع صندوق الخسائر والأضرار على أجندة اليوم الأول للمؤتمر لم يكن محض صدفة، لكنه كان مقصودًا؛ لضمان الانتهاء من العمل على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وأن يُكمل مسيرته في المراحل التالية حتى ينطلق ويبدأ في تمويل الخسائر والأضرار للدول المتضررة من الكوارث المناخية، وأوضح الدروبي لـ«العين الإخبارية» أنّه كان هناك خوفاً كبيراً من عدم الانتهاء من إنشاء الصندوق؛ خاصة وأنّ هناك العديد من النزاعات حوله.

ماذا بعد؟

بعد معركة طويلة، امتدت لـ 3 عقود، أخيراً، تم إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، على أن يتكون مجلس إدارته من 26 عضواً، أغلبهم من الدول النامية، ويتولى البنك الدولي مسؤولية قيادته لمدة 4 سنوات. لكن تعهدات تمويل الصندوق حتى الآن تزيد عن 700 مليون دولار أمريكي، ويرى الدكتور فاضل قابوب ضرورة مضاعفة حصيلة التمويل، وعندما سألت العين الإخبارية مؤسسة «ذا لوز آند دامدش كولابوراشن»، بشأن الاحتياجات الفعلية لتمويل الصندوق، جاء الرد لـ«العين الإخبارية» عبر البريد الإلكتروني بأنّ "هناك حاجة حالياً إلى 400 مليار دولار أمريكي سنويًا لكي تتمكن البلدان النامية من معالجة الخسائر والأضرار".

لكن، على أي حال، تمت خطوة إنشاء صندوق الخسائر والأضرار على الأراضي العربية التي حسمت قضية استمرت لعقود. وفي هذا الصدد، قالت لينا ياسين لـ«العين الإخبارية»: "هذا دليل على نجاح الجهود الدبلوماسية المصرية والإماراتية في جعل جميع دول العالم تتفق على واحدة من أصعب مواضيع التفاوض في التاريخ، وهذا أمر غير سهل وسيُذكر في مسار التاريخ".