الأشهر السبعة الأولى فقط من الحرب الروسية الأوكرانية مسؤولة عن 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
قدم مرصد الصراع والبيئة البريطاني و7 منظمات دولية أخرى تقريرًا خطيرًا للجنة رفيعة المستوى التي تدير عملية التقييم الأول لاتفاقية باريس، بشأن الانبعاثات العسكرية العالمية، وذلك خلال مفاوضات المناخ المنعقدة في بون منذ أسبوع.
يقول التقرير، الذي جاء تحت عنوان "الاعتراف بالانبعاثات العسكرية والمتعلقة بالنزاعات في التقييم العالمي"، إن جيوش العالم مسؤولة عن 5.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة، بخلاف الانبعاثات الناجمة عن الحروب والصراعات.
وقدر التقرير، الذي تحتفظ "نداء الأرض" بنسخة منه، أن الأشهر السبعة الأولى فقط من الحرب الروسية الأوكرانية مسؤولة عن 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
طالبت المنظمات الثمانية في تقريرها بضرورة تضمين الانبعاثات العسكرية وانبعاثات الحروب في عملية التقييم العالمي الأولى لتحقيق المساءلة الكاملة بشأن هذه المسألة.
التقييم العالمي (GST)، على النحو المنصوص عليه في المادة 14 من اتفاقية باريس، هو عملية لتقييم تنفيذ الاتفاقية، وتقييم التقدم الجماعي للعالم نحو تحقيق الغرض منها وأهدافها طويلة الأجل.
الانبعاثات العسكرية
يقول التقرير إن الجيوش تعتبر من أكبر مستهلكي الوقود الأحفوري، ولديها سلاسل إمداد كبيرة ومعقدة، ما يجعلها مصدرًا رئيسيًا للانبعاثات.
لتوضيح الحجم الكبير للانبعاثات العسكرية، يقول التقرير إنه في حال اعتبرنا القوات العسكرية في العالم دولة، فإنها ستأتي في المرتبة الرابعة في قائمة البلدان ذات البصمة الكربونية العالية.
الحروب وراء مئات الملايين من مكافئ ثاني أكسيد الكربون
كما يشير إلى أن الانبعاثات العسكرية ترتبط بالميزانيات العسكرية للبلدان، والتي تبلغ حاليًا أكثر من 2 تريليون دولار سنويًا؛ وتمثل دول مجموعة العشرين وحدها 87٪ من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
يؤكد التقرير أيضًا أن الإنفاق العالمي يتزايد بشكل كبير، ما يعني أنه من المرجح أن تزداد الانبعاثات العسكرية مستقبلًا.
ونظرًا لأن الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية أمر طوعي، فإن عددًا قليلاً جدًا من الدول يقدم بيانات مفصلة حول الانبعاثات العسكرية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وفق التقرير.
لكن على الرغم ضعف البيانات، يلجأ التقرير إلى التقديرات التي تشير إلى أن جيوش العالم مسؤولة عن 5.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ما يعني أن الانبعاثات العسكرية تزيد عما يساهم به قطاع الطيران المدني (2٪) وقطاع الشحن المدني (3٪) مجتمعين.
تشمل هذه النسبة الانبعاثات الناجمة عن حرائق البنية التحتية أو المساحات الطبيعية، وتدهور مصارف ومخازن الكربون الطبيعية مثل الغابات، وإعادة الإعمار بعد الصراع، والرعاية الصحية للضحايا، لكنها لا تشمل بأي حال من الأحوال، ما تنتجه الحروب نفسها من انبعاثات.
انبعاثات الحروب
يقول التقرير إنه علاوة على انبعاثات غازات الدفيئة من الأنشطة العسكرية اليومية والمركبات والسفن والطائرات والممتلكات والعمليات، لا يمكن تجاهل التأثير المناخي للصراع والحروب.
لم يمر عام في التاريخ الحديث كان فيه العالم خاليًا من النزاعات، وفق التقرير، وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد سوى دراسات محدودة للغاية حتى الآن حول التأثير المناخي الفوري والطويل الأمد للحرب، حيث لم يحظ التأثير المناخي للنزاع المسلح باهتمام كبير في الماضي.
أثناء الحروب، يمكن أن يتسبب تدمير مخازن الكربون الطبيعية أو التي يصنعها الإنسان، مثل الغابات والبنية التحتية للطاقة وآبار النفط، في إطلاق مئات الملايين من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
يمكن أن يؤدي حرق المدن وإعادة إعمارها أثناء وبعد الصراع في جميع أنحاء البلاد إلى إطلاق الانبعاثات بسهولة على نطاق مماثل.
يقدر التقرير أن غزو العراق من قبل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة قد أدى إلى إطلاق حوالي 250 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
كما تشير التقديرات إلى أن الأنشطة المتعلقة بالحرب التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا مسؤولة عن 440 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بين عامي 2001 و 2018.
يقدر التقرير أيضًا أن الأشهر السبعة الأولى فقط من الحرب الروسية الأوكرانية مسؤولة عن 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
للمقارنة، بلغ إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أوكرانيا في عام 2021 (قبل الحرب في عام 2022) 185 مليون طن. أي أن هذه الحرب وحدها، من الممكن أن تطلق نفس الكمية من الانبعاثات التي تطلقها دولة بحجم أوكرانيا في السنة الواحدة.
يقول التقرير إن الانبعاثات المرتبطة بالنزاع كبيرة، وذلك دون أن نأخذ في الاعتبار المعاناة البشرية والتدهور البيئي والتلوث على المدى الطويل.
نقص في البيانات
على الرغم من هذا التأثير المناخي الهائل لانبعاثات الجيوش والصراعات، كلٌ على حدا، يؤكد التقرير أن هناك نقصًا غير مقبول في البيانات حول هذه الانبعاثات، ما يقوض الشفافية والمساءلة لهذا القطاع بالذات.
يقول التقرير إن الاستبعاد التاريخي للتقارير العسكرية الشاملة من عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أدى لفجوة كبيرة فيما يخص البيانات المتعلقة بالانبعاثات العسكرية، من بين مجموعة من التداعيات الأخرى.
تشمل هذه التداعيات: إغفال البيانات العسكرية من المنتجات الرائدة لتتبع الانبعاثات، والافتقار إلى التدقيق والضغط على الجيوش لإزالة الكربون.
تتعمد العديد من الحكومات الوطنية باستمرار، عدم معالجة هذا الجانب من انبعاثاتها ضمن التزاماتها المناخية، لأسباب عدة، أبرزها المصلحة الذاتية الوطنية والسرية.
يستعين التقرير بتحليل لأحدث البيانات المقدمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من الدول الستين الأولى حسب الإنفاق العسكري، والذي يكشف أن الإبلاغ لا يزال رديء الجودة وغير مكتمل وغير شفاف.
يخلص التقرير في هذا الصدد إلى أن الفجوات في البيانات الخاصة بالانبعاثات العسكرية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري للنزاعات، تقوض التقييم العالمي الأول لاتفاق باريس، GST 2023.
يحث التقرير لجنة التقييم العالمي على الاعتراف، في نتائجها النهائية، بنقص البيانات حول المساهمة التي تقدمها الانبعاثات العسكرية وانبعاثات الصراع في أزمة المناخ، والتغييرات اللازمة لإطار عمل إعداد التقارير الخاص باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لمعالجة هذا الأمر.
ويقول إنه من شأن الإبلاغ الفعال عن الانبعاثات العسكرية من خلال عمليات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن يضمن دقة توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC لارتفاعات درجات الحرارة، نظرًا لأن الهيئة تواجه بالفعل قيودًا على طلب معلومات كافية عن الانبعاثات.
توصيات للجنة التقييم العالمي
يقول التقرير إن إمكانية الحفاظ على درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية تتراجع بسرعة، حيث تشير التوقعات الحالية إلى أن الطريق أصبح ممهدًا نحو احترار عالمي يبلغ حوالي 2.7 درجة مئوية.
ويشدد على أنه في هذه المرحلة المتأخرة، كل جهد فردي للحد من الانبعاثات مهم، بشكل خاص، عندما يتعلق الأمر بباعث رئيسي وقطاع مهم في حجم الانبعاثات، مثل الجيوش والحروب، والتي تم تجاهل ديناميكيات انبعاثاتها تاريخيا.
يوصي التقرير بأن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث حول المسارات التي تؤثر من خلالها النزاعات المسلحة وانعدام الأمن على الانبعاثات، سواء من خلال التدهور البيئي أو إعادة الإعمار أو التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
ويقول: "لا يسعنا تجاهل الانبعاثات العسكرية أو انبعاثات الصراع في المحاسبة والمفاوضات المناخية، ويعد التقييم العالمي فرصة حيوية لمعالجة هذه الفجوة وتحفيز البحث حول هذا الموضوع المهمل".
ويضيف: "نأمل أن يوضح هذا التقرير أهمية الانبعاثات العسكرية والمتعلقة بالنزاع في التقييم العالمي الأول الذي تم الانتهاء منه من أجل تقديمه للأطراف في مؤتمر المناخ بدبي COP28 والمضي قدمًا في عمليات التقييم العالمية اللاحقة".
ويختتم توصياته قائلًا: "لم يعد بإمكان حالة الطوارئ المناخية لدينا السماح بإغفال "العمل كالمعتاد" للانبعاثات العسكرية والمتعلقة بالنزاع، ويجب معالجتها بشكل أفضل، في إطار عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والمفاوضات المناخية الدولية، ومن خلال تضمين كليهما، ستقدم عملية التقييم العالمي الأولى مساهمة لا تقدر بثمن في تحقيق المساءلة الكاملة بشأن هذه المسألة".