تقارير وتحليلات

نشر في : 19-02-2024

تاريخ التعديل : 2024-03-01 12:16:24

رغم أن تحول العالم نحو الطاقة الخضراء هو الأمل في مستقبل مستدام، لكنه لا يخلو من جوانب مظلمة، أبرزها استخدام الأطفال في استخراج المعادن.

تواجه البشرية حاليًا عددًا من التحديات البيئية، على رأسها تغير المناخ والاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات الطاقة وغيره من القطاعات، وعلى هذه الخلفية، يمثل التحول الأخضر أهمية قصوى لمواجهة الأزمة مع تحقيق النمو الاقتصادي أيضًا.

أدى النمو المتسارع للكهرباء المتجددة في جميع أنحاء العالم إلى ظهور اقتصاد عالمي جديد للطاقة، وزيادة الطلب على العناصر المعدنية الرئيسة المرتبطة بالطاقة النظيفة، وتوسيع أنشطة التعدين والاستخراج.

يُعد معدنا السيليكون والكوبالت، المستخدمان في وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وبطاريات السيارات الكهربائية، أمثلة على العناصر اللازمة لتقنيات الطاقة النظيفة المهمة.

باعتباره معدنًا مهمًا لانتقال الطاقة، يعد الكوبالت ضروريًا لبطاريات الليثيوم أيون، التي تُستخدم كأجهزة لتخزين الطاقة في السيارات الكهربائية وكذلك في محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ووفق تقديرات حديثة للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الطلب على الكوبالت سوف ينمو 4 أضعاف بحلول عام 2030.

تنفذ حاليًا ثلثي عمليات تعدين الكوبالت بالعالم في مناجم صناعية باستخدام الآلات الثقيلة، وتكون مصحوبة بمعايير الصحة والسلامة المهنية.

بينما يشكل التعدين الحرفي والضيق النطاق الحصة المتبقية، وهو تعدين غير رسمي وخارج المناطق المصرح بها، ولا يخضع عماله لاتفاقيات رسمية بشأن الأجور وظروف العمل والسلامة والصحة المهنية.

وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية، يعمل حوالي مليون طفل في قطاع التعدين، وخاصة في التعدين الحرفي والضيق النطاق، ويؤدون أعمال خطرة، تصنف على أنها أسوأ أشكال عمل الأطفال.

أحمر الكونغو

تلعب جمهورية الكونغو الديمقراطية دورًا مهمًا في سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات التي تعتمد على الكوبالت، ويستخرج منها حوالي 70% من المعدن العالمي.

تنتج البلاد ما يقرب من 30% من هذه الكمية الضخمة عن طريق التعدين الحرفي والضيق النطاق، وبواسطة عمال يعملون في ظروف خطيرة، يقدر عددهم بنحو مليوني عامل، وفقا لـ منصة Delve Database للبيانات.

ارتبط التعدين الحرفي والضيق النطاق للكوبالت في جمهورية الكونغو، بالعمل القسري للأطفال وغيره من الانتهاكات في مناجم الكوبالت الحرفية، وفق منظمة العفو الدولية.

يوثق سيدهارث كارا، المؤلف والأكاديمي بجامعة هارفارد، في كتابه الشهير Cobalt Red أو "أحمر الكونغو"، تفاصيل العالم الخفي لتعدين الكوبالت غير الرسمي في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

يقول كارا في مقدمة كتابه، الصادر في 2023: "إذا كنت تمتلك هاتفًا ذكيًا، أو جهازًا لوحيًا، أو كمبيوتر محمولاً، أو سكوترًا إلكترونيًا، أو سيارة كهربائية، أو كل ما سبق، فأنت متواطئ مع نظام وحشي دون قصد".

يشير كارا إلى أن تعدين الكوبالت في الكونغو يعد بمثابة صناعة وحشية، تقوم على مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين يحفرون بأيديهم العارية وبأدوات بدائية في حفر سامة ومحفوفة بالمخاطر، سعياً إلى العيش في أسفل درج سلسلة التوريد العالمية.

يشارك المؤلف قصصًا لعمال المناجم، تحديدًا الأطفال، الذين عانوا من إصابات غيرت حياتهم، أو تعرضوا للاعتداء الجنسي، والعنف الجسدي، والفساد، والنزوح، والفقر المدقع.

في التعدين الحرفي والصغير الحجم، يؤدي الأطفال نفس العمل الذي يؤديه الكبار، والذي يتضمن التسلق إلى أعمدة عادة ما تكون مصنوعة ذاتيًا، أو طرق المعادن من الصخور، أو استخدام مواد كيميائية خطرة لفصل المعادن عن الخام.

كما يشكل العمل في المناجم وحولها مجموعة متنوعة من المخاطر بالنسبة للأطفال، مثل انهيار الأنفاق غير المستقرة أو التعرض للغازات السامة.

هناك أيضًا مخاطر نفسية، وخاصة بالنسبة للفتيات، ومنها خطر الاعتداءات الجنسية والجسدية بكافة أنواعها.

تتشكل رواسب الكوبالت بالقرب من السطح وتكون شبيهة بـ"الزبيب"، مما يشير إلى إمكانية استخراجها من حفر غير عميقة، لذا يستخدم مئات الأطفال في الحفر اليدوي للوصول إلى شظايا الكوبالت.

يعتبر معدن الكوبالت سامًا عند لمسه واستنشاقه، ويمكن العثور عليه جنبا إلى جنب مع آثار اليورانيوم المشع، ويتسبب في أمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي والإجهاض والصداع والأمراض الجلدية المؤلمة بين البالغين الذين يعملون بدون معدات وقائية.

يعاني الأطفال في مجتمعات التعدين بالكونغو من تشوهات خلقية وأضرار في النمو والقيء ونوبات الصرع، نتيجة التعرض المباشر وغير المباشر للمعادن الثقيلة.

يرسم كارا صورة للمعاناة التي يشهدها الأطفال في ظروف خطرة داخل أماكن التعدين، فبعضهم يقف عاريًا تمامًا في برك سامة، تصل فيها المياه الملوثة حتى ركبته، والبعض الآخر تحمله الأمهات على ظهورهن أثناء الحفر.

يوثق الكتاب أيضًا العديد من حالات الوفاة التي لم يبلغ عنها، بما في ذلك الأطفال الذين دُفنوا أحياء في أنفاق التعدين المؤقتة، ولم تنتشل جثثهم أبدًا.

يلتقي المؤلف بأم دُفن ابنها حيًا مع آخرين بعد انهيار نفق للتعدين، وقالت وهي تبكي: "أطفالنا يموتون مثل الكلاب".

أبلغته الأم وآخرون أن واقعة انهيار النفق في موقع للتعدين بوسط جمهورية الكونغو في 21 سبتمبر/ أيلول 2019 أدت إلى مقتل 63 رجلاً وصبيًا دُفنوا أحياء، وانتشلت أربع جثث فقط.

لم يعترف أحد رسميًا بالمسؤولية عن الواقعة ووفاة الرجال والأطفال، بل لم يعترف أحد بالحادث نفسه وكأنه لم يحدث، وفق الكتاب.

القضية مستمرة

في 2016، نشرت منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان الكونغولية "أفريووتش" تقريرا يفصل الوفيات والإصابات بين عدد لا يحصى من الأطفال الذين يعملون في مناجم صغيرة الحجم محفورة أو أنفاق منحوتة يدويا، كثيرا ما تنهار وتدفن عمال المناجم الشباب أحياء.

قال التقرير إن نحو 90% من الكوبالت المنتج في الكونغو يذهب إلى شركات صناعة السيارات الأمريكية والفرنسية والألمانية واليابانية والكورية الجنوبية.

تتعاقد حكومة الكونغو مع شركات تعدين أجنبية، تكون مسؤولة بشكل كامل عما يحدث داخل المناطق المخصصة للتعدين.

دفع التقرير والتغطية الصحفية واسعة النطاق التي أعقبته الصناعات التي تنتج وتستخدم الكوبالت إلى وضع معايير طوعية للمصادر المسؤولة للمعدن.

تقول العديد من الشركات الكبرى الآن إنهم يتعاملون مع الموردين الذين تم التأكد من التزامهم بهذه المعايير، وأنهم يستخدمون الكوبالت المستخرج فقط من المناجم الصناعية الآلية، حيث يُحظر عمالة الأطفال.

شكلت هذه المناجم الصناعية حوالي 89% من إنتاج الكوبالت في الكونغو في عام 2020، وفقًا لدراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، على الرغم من أن المطلعين على الصناعة قالوا إن بعض المناجم الصناعية الأصغر حجمًا تشتري الخام المحفور يدويًا وتدرجه في إحصاءاتها.

على جانب آخر، لا يزال التعدين الحرفي غير الآمن قائمًا، وكذلك عمالة الأطفال، كما أن الوفيات والإصابات مستمرة، وفق ما وثقته واشنطن بوست مؤخرًا.

قالت الصحيفة الأمريكية إن هناك أخطارا تتمثل في أن يؤدي التحول إلى الطاقة الخضراء إلى تكرار التاريخ المؤلم للثورات الصناعية السابقة.

على إثر ذلك، تأسست "شراكة عمل الكوبالت" في 2021، بهدف دعم الإنتاج المسؤول وتوريد الكوبالت الكونغولي، وإضفاء الطابع الرسمي على صناعة التعدين الحرفي والصغير الحجم في جمهورية الكونغو، ودعم صندوق لمنع عمالة الأطفال في مجتمعات التعدين.

قالت إنجا بيترسن، المديرة التنفيذية للشراكة إن عددًا من الشركاء المحليين والدوليين ساعدوا في تحديد إطار العمل، مثل وكالات الأمم المتحدة، واليونيسيف، ومنظمة العمل الدولية، ومؤسسات أخرى.

تعمل الشراكة من أجل الضغط على السلطان الكونغولية والشركات الكبرى المالكة لمناجم التعدين من أجل "القضاء الفوري والعاجل على عمل الأطفال والعمل القسري من سلسلة قيمة الكوبالت، والمساهمة في التنمية المستدامة للمجتمعات، واحترام حقوق الإنسان للمتضررين.