كشف تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي عن تحديات ضخمة تواجه خطة أوروبا الطموحة لخفض الانبعاثات ومكافحة تغير المناخ.
وضرب التقرير مثلا بكيفية نجاح المعارضة في بلدة إيطالية صغيرة في وقف مشروعات مهمة لتطوير طاقة خضراء.
ففي يوليو/تموز، علقت الحكومة المحلية لمنطقة سردينيا الإيطالية بناء مئات من توربينات الرياح الجديدة، مدعية أن ذلك من شأنه أن يدمّر المناظر الطبيعية الجميلة في الجزيرة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة نيتها وقف بناء مزارع الرياح الجديدة تماما، مضيفة أيضا الألواح الشمسية إلى الحظر.
وكانت هذه القرارات قد أعقبت احتجاجات متزايدة من جانب مجموعات كبيرة من الناشطين الذين عارضوا مشروعات الطاقة المتجددة هذه، ودافعوا بدلا من ذلك عن استخدام الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء. وفي أغسطس/آب، أشعل مجهولون النار في مزرعتين للرياح كان من المقرر تركيبهما في شمال الجزيرة. ودمرت هجمات مماثلة الألواح الشمسية التي كان من المقرر بناؤها على الأراضي الزراعية المحلية.
وبموجب خططها الجديدة، تراهن سردينيا بدلا من ذلك على تطوير البنية الأساسية للغاز الطبيعي مع تأخير إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي تنتج الآن أكثر من 60% من الكهرباء التي تحتاج إليها الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة.
ضربة مؤلمة
وتشكل معارضة مصادر الطاقة المتجددة في سردينيا ضربة للحكومات المحلية الإيطالية الأخرى، التي تواجه قرارات صعبة بشأن كيفية الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. لكنها أيضا تشكل انتكاسة كبرى للحكومة المركزية في روما خاصة للاتحاد الأوروبي والصفقة الخضراء الأوروبية، وهي خطة المناخ الطموحة للقارة بأكملها.
وعدّ التقرير أن المعركة الجارية في سردينيا هي أحدث مثال على الصراع الذي تواجهه الدول الأوروبية في تحقيق خططها الطموحة لإزالة الكربون في القارة.
وواجهت دول مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا معارضة لهذه المشروعات على مدى السنوات القليلة الماضية؛ مما أثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق عنصر أساسي من استراتيجية الاتحاد الأوروبي الخضراء. وسوف يختبر تصميم المفوضية الأوروبية الجديدة على تحقيق تقدم كاف خلال ولايتها القادمة.
ووفقا لماتس إنجستروم، وهو زميل سياسي بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن "إرث المفوضية سوف يعتمد على قدرتها على دفع السياسات الخضراء الحيوية إلى الأمام في خضم دوامة من السخط السياسي والمحلي".
وتمت الموافقة على الصفقة الخضراء الأوروبية، وهي إطار سياسي لتحقيق الحياد المناخي -أي إزالة الكربون بالكامل- بحلول عام 2050، في عام 2020. وحدد التشريع اللاحق خفضًا بنسبة 55% لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 1990. وتقيم مؤسسات الاتحاد الأوروبي حاليًا جدوى الهدف الوسيط المتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول عام 2040، الذي اقترحته المفوضية أيضًا.
وإلى جانب إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة، تشمل السياسات الأخرى استعادة التنوع البيولوجي في أوروبا، وجعل نظامها الغذائي أكثر استدامة، وخلق اقتصاد دائري يعمل بشكل جيد، كل ذلك مع جعل صناعاتها أكثر خضرة. وستؤثر هذه السياسات في جميع قطاعات اقتصاد الكتلة -الأسر والصناعة والخدمات والزراعة- بهدف جعلها أكثر قدرة على المنافسة على المستوى العالمي.
تحديات
ونشر المحللون في مؤسسة بروغل البحثية ومقرها بروكسل تقريرًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أربعة مجالات من المخاطر التي قد تعرقل تحقيق أهداف المناخ في الاتحاد الأوروبي، والتي يبدو أنها متشابكة أيضًا، وهي: عدم الاستقرار الجغرافي الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي، وتفاقم التفاوت، ومصداقية السياسة.
ووفقا للتقرير، "فإن الاقتصاد العالمي الذي يعاني من المزيد من النزاعات التجارية وخطر الصراع الأكبر يعرض الاستثمار الرأسمالي الضخم اللازم للانتقال للخطر، في حين أن تكلفة التكنولوجيات النظيفة هي العامل الأساسي في الجدوى الاقتصادية لإزالة الكربون"، كما كتب المحللون. وأضافوا: "ستؤثر سياسات المناخ في حياة الناس اليومية بطرق مدمرة، مما يعني أنه يجب الحذر من النتائج الرجعية، مع الموازنة بين الالتزام الملموس بركائز سياسة المناخ الراسخة".
وفي تقرير صدر في سبتمبر/أيلول، أدرجت المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- عددًا من الإنجازات الرئيسية التي تم تحقيقها بالفعل. انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 32.5% عن خط الأساس لعام 1990، في حين نما الاقتصاد الأوروبي بنسبة 67% خلال الفترة نفسها، مما يدل على فصل النمو عن الانبعاثات.
ومع ذلك، حذرت المفوضية من أنه على الرغم من أن تركيب محطات الطاقة المتجددة كان عند مستوى قياسي مرتفع على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن وتيرة تحقيق أهداف كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي يجب أن تزداد بشكل أكبر لضمان تحقيقها.
تحديات جيوسياسية
وحذرت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي أيضًا من التحدي الكبير الذي يواجه القدرة التنافسية للقارة بسبب المنافسة المتزايدة مع الصين، والفوارق الكبيرة في أسعار الطاقة مقارنة بالمنافسين الصناعيين مثل الولايات المتحدة، والاعتماد الاستراتيجي المحتمل على تقنيات الطاقة النظيفة. وفي الوقت نفسه، لا يزال المواطنون الأوروبيون يواجهون فواتير طاقة مرتفعة، وهو ما يؤدي -جنبًا إلى جنب مع ارتفاع تكاليف المعيشة- إلى تقليل قدرتهم الشرائية. وبالتالي، فثمة خطر يتمثل في وجود رؤى منقسمة لدى الرأي العام بشأن أهمية ووجوب تحول الطاقة.
كما قد يؤدي تعطيل سلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة الناجم عن التوترات التجارية المتصاعدة بين الكتل التجارية الرئيسية إلى إخراج عملية انتقال الطاقة في القارة عن مسارها. وقد تؤدي الصدمات الاقتصادية الأوسع نطاقا، التي قد تزعزع استقرار الوضع الاقتصادي الكلي من خلال رفع أسعار الفائدة أو الحد من الحيز المالي للدول الأوروبية، إلى إبطاء عملية انتقال الطاقة وزيادة تكاليفها.
كما قد يؤدي عدم الاستقرار الجيوسياسي المتزايد -وإعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما يزعم البعض- إلى زيادة الإنفاق الدفاعي من قبل الدول الأوروبية، مما يحد من حيزها المالي لتمويل انتقال الطاقة. كما قد يكون للتطور الأبطأ للتكنولوجيات تأثير سلبي. وتعتمد جميع المسارات المؤدية إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات جزئيًا على تقنيات لم تثبت فعاليتها حتى الآن على نطاق واسع.
سوف يحتاج التحول الأخضر الذي يتصوره الاتحاد الأوروبي إلى موافقة جميع حكومات الكتلة وكذلك مواطنيها للتغلب على المخاطر التي تهدد نجاحه. وسوف يتطلب الأمر من القادة الأوروبيين ضمان التنفيذ السريع والشامل للتشريعات الحالية للاتحاد الأوروبي، مع الحد من التنازلات السياسية للعديد من المجموعات المختلفة التي تعارض التغييرات المطلوبة.