قصص

نشر في : 07-08-2024

حدثت في : 2024-08-07 23:36:12

بتوقيت ابوظبي

آلاء عمارة

بينما يسعى البشر للتكيف مع الاحترار العالمي لمكافحة الحرارة المرتفعة، ظهرت الحاجة إلى أنظمة تبريد أكثر استدامة.

في أثناء فعاليات مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين (COP28)، الذي استضافته مدينة إكسبو دبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي حضره ما يزيد على 85 ألف شخص من جميع أنحاء العالم. كان هناك في المنطقة الزرقاء، مبنى يُسمى "تمويل الطاقة"، والذي يتضح من اسمه الغرض منه، المتمثل في وفود وفعاليات خاصة بالطاقة. وفي محاولة لاستكشافه بفعالياته الكثيرة، كان هناك شيء يشبه الثلاجة تابع لأحد الوفود، بالتدقيق فيها، إنها فعلًا ثلاجة، تضم مثلجات (Ice Cream). وكانت تابعة لوفد بروتوكول مونتريال (The Montreal Protocol)

حسنًا، كانت المثلجات لذيذة، لكن هذا ليس موضوعنا؛ فقد كان مكتوبًا على علب المثلجات هذه العبارة: (I was frozen with natural refrigerants)؛ أي "تم تجميدي بواسطة المبردات الطبيعية". وشعار آخر لفت نظري على العلبة، وهو (Ozone cool zone)، بالتحدث مع أحد أفراد الوفد، اتضح أنّ الغرض من تلك الثلاجة بما فيها من محتويات هو إعطاء مثال حي على أنه يمكن تبريد طعامنا في ثلاجات مستدامة، صديقة للبيئة، ولا تُضر بطبقة الأوزون، بما يتوافق مع بروتوكول مونتريال. 

صورة للثلاجة والمثلجات، تصوير: آلاء عمارة.

وفي يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، أُطلقت "معاهدة التبريد العالمي" (Global Cooling Pledge)، في أثناء فعّاليات COP28، ووقع على المعاهدة ما يزيد على 70 دولة من دول الأطراف. ويلتزم الموقعون على المعاهدة بخفض الانبعاثات المرتبطة بالتبريد في جميع القطاعات بنسبة 68% على أقل تقدير مقارنة بمستويات عام 2022 بحلول عام 2050. وهذه المعاهدة بمثابة خطوة نحو تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية؛ وذلك عبر توفير تبريد مستدام للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه. في الوقت نفسه، ترتبط المعاهدة ببروتوكول مونتريال. كيف ذلك؟ حسنًا، تلك قصة طويلة، نحتاج فيها إلى الخوض في دهاليز الماضي، وبداية كل من بروتوكول مونتريال وملاحظة الاحترار العالمي. 

بروتوكول مونتريال 

بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، الذي يُعرف ببساطة بـ"بروتوكول مونتريال"، بدأت قصته منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما خرج الكيميائيان "ماريو مولينا" و"فرانك شيروود رولاند"، عام 1973 بنتائج تفيد بأنّ مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، المستخدمة في صناعة الثلاجات ومكيفات الهواء تستقر في طبقة الستراتوسفير -التي تضم طبقة الأوزون- وبمجرد تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، تتحلل وتُطلق ذرات الكلور. 

افترض العالِمان أنّ ذرات الكلور تلك تتسبب بعد ذلك في تآكل طبقة الأوزون، وهي بمثابة درع حماية ضد الأشعة فوق البنفسجية، ومن المعلوم أنّ زيادة كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تدخل إلى غلاف الأرض، قد يتسبب في مشكلات كثيرة، لعل أبرزها انتشار سرطان الجلد وتدمير المحاصيل وتهديد حياة الكثير من الكائنات الحية. وعُرفت هذه الفرضية بـ"فرضية رولاند- مولينا"، ولاقت رفضًا قاطعًا. 

ولأنّ العلم يدعم فكرة التأكد، عمل باحثون آخرون على تلك الفرضية، حتى تم التأكد من صحتها، وفي عام 1976، أكدت الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة صحة تلك الفرضية. وبدأت بعض الحكومات تتخذ الإجراءات اللازمة لحظر تلك المركبات المستنفدة لطبقة الأوزون. إلى أن جاء عام 1985، عندما خرج أول اتفاق دولي بشأن طبقة الأوزون، وهو اتفاق فيينا لحماية طبقة الأوزون، ويعد بمثابة إطار دولي لتبادل المعلومات ووضع المبادئ اللازمة لمعالجة مشكلة استنفاد طبقة الأوزون. وبذلك مهدت اتفاقية فيينا الطريق أمام برنامج الأمم المتحدة للبيئة لوضع الأساس لبروتوكول قوي ومحكم، الذي عرف بعد ذلك بأنه بروتوكول مونتريال. 

وبالفعل فُتح باب التوقيع على البروتوكول وتم اعتماده في مونتريال الكندية في 16 سبتمبر/أيلول 1987، لذلك يُطلق عليه بروتوكول مونتريال، وهو بمثابة معاهدة لتنظيم إنتاج واستهلاك نحو 100 مادة كيميائية، تُعرف بأنها المواد المستنفدة للأوزون (ODS). ويُعد بروتوكول مونتريال من البروتوكولات النادرة التي تحظى بالتصديق العالمي. وبالفعل، رُصدت علامات التعافي الأولى لثقب الأوزون في عام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى مرحلة التعافي الكامل في منتصف القرن الحادي والعشرين. 

أما عن العالمين اللذين دقا ناقوس الخطر في أول مرة، "ماريو مولينا" و"فرانك شيروود رولاند"؛ فقد حصلا على جائزة نوبل في الكيمياء للعام 1995، لعملهما في كيمياء الغلاف الجوي؛ خاصة فيما يتعلق بتكوين وتحليل غاز الأوزون. أو بعبارة أخرى، لإنقاذ البشر من خطر قاتل. 

احترار عالمي 

تسببت الثورة الصناعية -التي انطلقت في أثناء القرن الثامن عشر- في إطلاق كميات كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة، وفي عام 1896، كشفت ورقة بحثية، للعالم السويدي "سفانتي أرينيوس" عن ارتفاع مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بسبب انبعاثات غاز الدفيئة. وفي عام 1938، ربط مهندس بخار إنجليزي يُدعى "جاي كاليندر" بين زيادة كميات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وظاهرة الاحتباس الحراري، التي تفاقمت آثارها بمرور الوقت، إلى أن أدرك البشر ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة في هذا الشأن، وعُقدت الكثير من المؤتمرات والاتفاقات والمعاهدة، لعل أبرزها "مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ" (COP)، التي انطلقت لأول مرة في برلين بألمانيا عام 1995، وما زالت دورات المؤتمر تُعقد بانتظام كل عام، في إطار "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخي" (UNFCCC). 

استراتيجية للتكيف؟ 

ومن أهم الوسائل التي اتفقت الأطراف عليها هي ضرورة اتخاذ التدابير للتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، ولكي يتكيف البشر مع الحرارة المرتفعة التي زادت عن مستويات عصر ما قبل الصناعة بما يصل لنحو 1 درجة مئوية؛ فإنهم يحتاجون إلى استخدام مكيفات وأدوات تساعدهم على الصمود والتكيف مع تلك الحرارة المرتفعة، التي صارت واقعًا لا يمكن الفرار منه. لكن مهلًا، أليست تلك المبردات هي مصدر انبعاثات مركبات الكلوروفلوروكربون، والتي تسبب تآكل طبقة الأوزون؟ الإجابة نعم، لكن هناك إصدارات أخرى أكثر استدامة وصديقة للبيئة، وتطبقها الكثير من الدول فعليًا. ولأنّ التبريد صار استراتيجية للتكيف مع التغيرات المناخية، كان لا بد من معاهدة؛ لتعزيز التبريد المستدام. وفي COP28، خرجت "معاهدة التبريد العالمي" (Global Cooling Pledge). 

يفتقر نحو 2.9 مليار شخص حول العالم إلى التبريد الفعال؛ خاصة النساء والفتيات اللاتي يتأثرن بشدة. بينما هناك ما يزيد على 1.1 مليار شخص يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى التبريد المستدام. وهذا يعود سلبًا على الإنسان واقتصاده وحياته، على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع الحرارة إلى خفض إجمالي ساعات العمل بنسبة 2.2% في جميع أنحاء العالم. ما يُقلل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 2.4 تريليون دولار أمريكي بحلول 2030.

أكثر صحة

يمكن للدول أن تنسق التعاون فيما بينها لتحقيق أهداف التبريد المستدام، الذي يُوفر نحو 78 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2050، ما يعزز حياة البشر ويوفر أموالًا ضخمة في عدة قطاعات؛ فغازات الدفيئة تتسبب في رفع درجات حرارة الأرض، ما يؤثر في صحة الإنسان وتجعله يعاني من الإجهاد الحراري. بالفعل، حالات الوفيات المسجلة بسبب الحرارة المرتفعة زادت بنسبة 68% على مدار ما يقرب من 20 عامًا منذ عام 2000.

وتحتاج جميع القطاعات تقريبًا إلى التبريد المستدام، على سبيل المثال، قطاع الصحة، تحتاج الأدوية إلى التبريد المستدام؛ للحفاظ عليها، وكذلك توفير هواء منعش للأطباء والمرضى وفي حالات ارتفاع درجات الحرارة. وهذه استراتيجية من أجل التكيف والتخفيف معًا من آثار التغيرات المناخية؛ التكيف عبر توفير وسائل للتبريد تحافظ على صحة الإنسان، والتخفيف من خلال ضمان أنّ تلك المبردات مستدامة. 

وفي هذا الصدد، تواصلنا مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، للتعليق على التعهد بتعزيز التبريد المستدام، وجاء الرد من "لاشا غوغوزاد"، مسؤول الصحة والمناخ والهجرة والمخاطر في ذلك الاتحاد، الذي علّق قائلًا لـ"نداء الأرض": "يهدف التعهد الطوعي للتبريد إلى إظهار الطموح وتعزيز التعاون من خلال أهداف جماعية لتحسين كفاءة الطاقة والنهج الصديقة للمناخ"، وتابع: "إن النظم الصحية القادرة على الصمود أمر بالغ الأهمية لتعزيز صحة الناس والحفاظ عليها واستعادتها، وتتطلب النظم الصحية القادرة على الصمود أمام تغير المناخ نُهجًا تكيفية معقدة. ويشمل ذلك التخفيف من آثار تغير المناخ، وتوعية المجتمع ومشاركته، وتعليم المهنيين الصحيين والعاملين في مجال الصحة المجتمعية، والتأهب لحالات الطوارئ، والاستعداد لتقديم النظام الصحي، وسلاسل التوريد القوية للأدوية واللوازم الطبية". 

من أجل غذائنا 

ليست الأدوية فقط هي التي تحتاج إلى حفظ جيد؛ فالطعام أيضًا، وهذا أمر يمكن التماسه ببساطة في الحياة اليومية، مجرد ترك الطعام؛ خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، دون حفظه في الثلاجات، يفسد، وقد يُفسح المجال لكائنات دقيقة معينة لتجد طريقها في إصابة الإنسان بالأمراض، فضلًا عن خسارة كميات كبيرة من الغذاء دون الاستفادة منه؛ علمًا بأنّ إنتاج الأغذية يتسبب في إطلاق ما يقرب من ثُلث انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وبخسارة الطعام أو إهداره، نفتح المجال أمام انبعاث غازات دفيئة دون نفع للإنسان، إضافة إلى الأضرار اللاحقة بالمحاصيل الزراعية قبل أن تصل لمرحلة الحصاد بسبب الحرارة المرتفعة؛ والافتقار إلى التبريد المستدام قد يؤدي إلى خسارة 526 مليون طن من إنتاج الغذاء أو 12% من الإجمالي، وبالتالي خفض دخل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة. 

وتقول "مورجان جيلسبي"، المديرة التنفيذية لتحالف الغذاء واستخدام الأراضي لـ"نداء الأرض": "تعد تقنيات التبريد الذكية مناخيًا بمثابة استراتيجية تكيف حاسمة لأصحاب الحيازات الصغيرة في المناطق الساخنة ذات الدخل المنخفض مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ فالافتقار إلى البنية التحتية لتخزين سلسلة التبريد في المزرعة محرك كبير لانعدام الأمن الغذائي". 

وتُضيف جيلسبي: "يلعب كل من القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية دورًا مهمًا في توسيع نطاق الوصول إلى هذه التقنيات، التي يمكن أن تدعم المزارعين لمعالجة خسائر ما بعد الحصاد لتحقيق نتائج أقوى للصحة وسبل العيش الريفية والمناخ. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك مشروع AgResults Kenya لتحدي التخزين في المزرعة بقيمة 12 مليون دولار، الذي استمر من عام 2012 إلى عام 2018، ووصل إلى ما يقرب من 329 ألف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في كينيا باستخدام مليون جهاز تخزين محسن، ما أدى إلى ما يقرب من 413 ألف طن متري من سعة التخزين المحسنة". 

أكثر استدامة 

تهدف وسائل التبريد المستدام أيضًا إلى استخدام كهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وهي أكثر استدامة من وسائل الطاقة غير المتجددة، ويمكنها الانتشار على نطاقات واسعة في المناطق الريفية والبعيدة. وهذا يوفر من الاستهلاك العالمي للكهرباء من مصادر الطاقة غير المتجددة؛ إذ تستهلك أنظمة التبريد نحو 20% من إجمالي الاستهلاك العالمي للكهرباء. ربما تكون هناك بعض التحديات المتعلقة بمستوى الكفاءات المتاحة، لكن يمكن حلها باستخدام وحدات أخرى. 

وبذلك، يمكن تحقيق الانتقال بأنظمة التبريد المستدامة إلى مواد أخرى صديقة للبيئة، لا تؤثر بقوة في الاحترار العالمي. أيضًا يمكن من اتباع نهج التبريد المستدام، تنفيذ "تعديل كيغالي على بروتوكول مونتريال"؛ لمنع درجات الحرارة من الارتفاع بمقدار 0.5 درجة مئوية بحلول 2100، وكذلك تعزيز كفاءة التبريد المستدام وخفض استخدام المواد المستنفدة للأوزون، مثل: مركبات الكلوروفلوروكربون. وكانت الثلاجة المعروضة في COP28 مثالا على وجود أنظمة تبريد مستدامة وصديقة للبيئة. وبذلك، تتداخل معاهدة التبريد العالمي مع بروتوكول مونتريال.