تتزايد حاجة السكان للغذاء يوماً بعد يوم، لكن التوسع الزراعي يهدد التنوع البيولوجي.

عرف الإنسان الزراعة منذ آلاف السنين، واعتمد عليها في بناء حضارته، ولأنها جزء مهم من نظام غذائه، فهو يعطيها الأولوية في كل شيء تقريبًا، وبدأ التوسع الزراعي على حساب الغابات والنظم البيئية التي لم تكن مهيأة سابقًا للزراعة، فازدادت كمية انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط الزراعي، وامتد التأثير السلبي إلى التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم؛ وهذا ما ركزت عليه دراسة حديثة أجرتها مجموعة بحثية دولية.

وفي محاولة من الباحثين لتحقيق التوازن بين التوسع الزراعي والحفاظ على النظم البيئية بما فيها من تنوع بيولوجي، طوّروا نموذجًا لاستخدام الأراضي، ونشروا نتائجهم في دورية "نيتشر ساستينابيليتي" (Nature Sustainability) في 13 أغسطس/آب 2024. 

ما التنوع البيولوجي؟

هو مصطلح يُشير إلى جميع أشكال الحياة على سطح الأرض، بدءًا من الكائنات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة، كالفيروسات والبكتيريا، وصولًا إلى الكائنات العملاقة، مثل الأفيال أو النباتات الكبيرة، والنظم البيئية مثل الغابات. ويأتي هذا التنوع البيولوجي الواسع على سطح الأرض نتيجة 4.5 مليار سنة من التطور. ويلعب التنوع البيولوجي دورًا محوريًا في شبكة الحياة حولنا، بما فيها الماء والدواء والغذاء واستقرار المناخ، والاقتصاد، إذ يعتمد نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي على الطبيعة. 

التوسع الزراعي 

مع زيادة تعداد سكان العالم المستمر، تزداد الحاجة إلى الغذاء، وهذا حافز قوي للتوسع الزراعي، وإن كان على حساب التنوع البيولوجي. الأمر الذي دفع الباحثين للتحقق في المناطق التي من المرجح أنها تتأثر بالتوسع الزراعي المستقبلي حول العالم؛ إذ من المتوقع أن تتوسع مساحات الأراضي الزراعية العالمية بنسبة 3.6% بحلول 2030، من أجل زيادة إجمالي الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة 2%. بالطبع ستزداد انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن القطاع الزراعي في هذه الحالة أيضًا، وبالتالي يتأثر المناخ، ومن ثمّ يؤثر في النظم البيئية بما تؤويه من تنوع بيولوجي. 

وفي هذا الصدد، طور الباحثون نموذجًا لاستخدام الأراضي؛ لتحديد المناطق الرابحة عند توسعها الزراعي، وقيّموا الآثار الاقتصادية والبيئية والزراعية لهذا. ووجد الباحثون أنّ هناك احتمالية كبيرة لتوسع الزراعة في بعض المناطق الاستوائية، وتعزيز الإنتاج الزراعي هناك. 

ازدياد الانبعاثات 

لكن، يظل التغير المناخي مرتبطًا بالتوسع الزراعي، إذ يُقدر الباحثون أنه في حال التوسع الزراعي المتوقع، ستزداد انبعاثات غازات الدفيئة من التغيرات في استخدام الأراضي، وتزداد الانبعاثات نحو 17 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يقترب من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في الوقت الحالي. 

انخفاض التنوع البيولوجي 

ومع حدوث تغيرات في استخدام الأراضي، قدّر الباحثون أنّ التنوع البيولوجي سينخفض بنسبة 26%، وهو ما يتعارض مع "إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي"، الذي حدد هدفًا لحماية 30% من سطح الأرض بحلول 2030. لذلك، حرص مؤلفو الدراسة على إعطاء صورة واضحة للآثار المحتملة للتوسع الزراعي في المستقبل؛ لحماية التنوع البيولوجي والمناخ. 

يحتاج البشر دائمًا إلى جرس إنذار لما يحدث حولهم من تغيرات في النظام البيئي نتيجة أنشطتهم البشرية. نعم الزراعة مهمة لسد احتياجات سكان العالم الذين تتجاوز أعدادهم 8 مليارات شخص، وهم في زيادة مستمرة، لكن في الوقت نفسه، يجب اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على توازن النظام البيئي بما فيه من كائنات حية متنوعة.