قصص

نشر في : 30-08-2024

حدثت في : 2024-08-31 01:21:08

بتوقيت ابوظبي

آلاء عمارة

لا تستهن بها؛ فتلك البكتيريا الدقيقة تلعب دورًا محوريًا في خفض انبعاثات الميثان.

ربما تستطيع كائنات دقيقة لا تُدرك بالعين المجردة أن تسهم في مكافحة التغيرات المناخية، أو هكذا تقول دراسة أجرتها مجموعة بحثية دولية؛ فالبكتيريا تلعب دورًا في منع إطلاق الميثان إلى الغلاف الجوي وتحتجزه في البحيرات، علمًا بأنّ الميثان أحد أقوى غازات الدفيئة، وقوته الاحترارية تعادل ثاني أكسيد الكربون 80 مرة. ونشر الباحثون نتائجهم في دورية "نيتشر كويونيكاشنز" (Nature Communications) في 21 يونيو/حزيران 2024. 

للتخلص من الميثان

ببساطة شديدة، أنت تستنشق الأكسجين وتتغذى على الطعام لتكوين الطاقة اللازمة للقيام بالعمليات الحيوية والبقاء على قيد الحياة. تقوم بكتيريا الميثانوتروف أو كما تُسمى أيضًا البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان (MOB) بشيء شبيه؛ إذ تؤكسد الميثان في الظروف الطبيعية؛ لتحصل على الكربون والطاقة. وقد تكون هناك بعض المنتجات الثانوية مثل الماء وثاني أكسيد الكربون والكتلة الحيوية. علمًا بأنه على الرغم من أنّ ثاني أكسيد الكربون أشهر غازات الدفيئة، وغير مرغوب فيه، فإنه أقل بكثير من الميثان في التأثير. يمكن القول إنه ضرر أخف من ضرر. 

بهذه الطريقة الحيوية، يمكن لبكتيريا الميثانوتروف منع إطلاق الميثان، والذي يُعد أحد أخطر غازات الدفيئة، وتأثيره قوي فيما يتعلق بالاحترار؛ فهو مسؤول عن ثُلث الاحترار العالمي، حتى إنّ هناك معاهدة دولية للتخلص من الميثان، اسمها "التعهد العالمي بشأن الميثان"، والذي أُطلق في أثناء مؤتمر الأطراف بشأن التغيرات المناخية في دورته السادسة والعشرين (COP26) في غلاسكو بالمملكة المتحدة. 

من جانب آخر؛ فالميثان من أكثر غازات الدفيئة التي يتم إنتاجها في البحار وكذلك المياه العذية. من حسن الحظ، أنّ بكتيريا الميثانوتروف قادرة على توظيف الميثان في توليد طاقتها والنمو، بدلًا من إطلاقه في الغلاف الجوي. إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون بعض التفاصيل المذهلة الأخرى لتلك الكائنات الدقيقة ودورها في مكافحة المناخ. 

اكتشاف

استهدف الباحثون بحيرة زوغ في سويسرا لإجراء الدراسة هناك، حيث يصل عمق البحيرة نحو 200 متر تقريبًا، وبدءًا من العمق 120 متر، تصبح المياه خالية من الأكسجين. مع ذلك وجد الباحثون أنّه يمكن للبكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان (MOB) أن تؤكسد الميثان في ظروف لا هوائية؛ أي قي العمق الخالي من الأكسجين. ولفهم ذلك أجروا تجربة. 

أضاف الباحثون بعض جزيئات الميثان، تركيبه الكيميائي (CH4)؛ أي أنّ الكربون يدخل في تركيب غاز الميثان. لذلك استخدم الباحثون نظير الكربون (13C)، بدلًا من (12C) المعتاد. وأضافوا الميثان إلى عينات من مياه البحيرة، وتتبعوا كيف تقوم البكتيريا بعملية تحويل الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون والمنتجات الثانوية الأخرى. 

وجد الباحثون أنّ هناك مجموعة من البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان، تظل نشطة وتعمل في الظروف اللاهوائية الخالية من الأكسجين، تمامًا كما لو أنها تعمل في الظروف الهوائية التي تحتوي على أكسجين. وميزوا مجموعة البكتيريا هذه بالشكل العصوي. 

هذا قادهم لإلقاء نظرة فاحصة على جينات تلك البكتيريا؛ لتحديد كيفية استجابة البكتيريا لقلة الأكسجين، وتعاملها مع الموقف؛ فعادةً ما تكون الجينات هي مفتاح الأسرار والألغاز. وأثار اهتمامهم نوعين من الجينات، النوع الأول، والذي يسمح للبكتيريا بإجراء نوع محدد من عملية التخمر، وعبرها، يمكن للبكتيريا إطلاق بعض المواد التي تستخدمها أنواع البكتيريا الأخرى للنمو، وهي بذلك تعزز حياة البكتيريا الأخرى. إضافة إلى ذلك، لا يصل ثاني أكسيد الكربون، والذي يُعد أحد المنتجات الثانوية لتلك العملية -كما ذكرنا- إلى الغلاف الجوي؛ فيبقى حبيسًا في البحيرة؛ فلا يؤثر على كمية غازات الاحتباس الحراري. بعبارة أخرى، تُصبح البحيرة بالوعة كربونية. 

أما عن النوع الثاني من الجينات الذي لفت انتباه الباحثون هي جينات قادرة على نزع النيتروجين، ما يضع احتمالية بأنّ تلك البكتيريا تستخدم النترات بدلًا من الأكسجين لتوليد الطاقة.

بذلك، استطاع الباحثون شرح كيفية قيام البكتيريا بتحليل غاز الميثان في الظروف اللاهوائية، أو على الأقل وضع حجر الأساس لاستكشاف المزيد عن طبيعة تلك البكتيريا والتي تلعب دورًا لا يمكن إنكاره في حبس غاز الميثان، بدلًا من إطلاقه إلى الغلاف الجوي.