تقارير وتحليلات

نشر في : 29-04-2024

حدثت في : 2024-04-29 13:00:35

بتوقيت ابوظبي

مصطفى شعبان

أكثر من 50% من الشواطئ الرملية في قارات العالم الخمس مهددة بالفقدان بحلول عام 2100، كما تهدد المخاطر البيئية أيضًا دلتا مصبات الأنهار والنظم البيئية الساحلية الأخرى.

"قد نخسر أكثر من 50% من الشواطئ الرملية في قارات العالم الخمس قبل حلول عام 2100، والسبب ليس فقط التغيرات المناخية، ولكن لأننا لم نصل بعد إلي مفهوم التنمية المستدامة، بعد أن تحالف عاملي المناخ المضطرب والبشر في انهاكها".. عبارة مقتضبة بدأ بها التقرير النهائي للمعهد لملكي الهولندي للأبحاث البحرية "NIOZ"، بالتعاون مع كلية علوم الأرض بجامعة أوترخت الهولندية، لبحث مدى تأثير التغيرات المناخية والمشروعات التنموية غير المستدامة علي صحة الشواطئ الرملية وجدودتها.

قام الباحثون بتحليل 235469 مقطعًا للشواطئ في جميع أنحاء العالم، والتي أظهرت أن البنية التحتية التي تحدث على مسافة متوسطة تبلغ 392 مترًا من الشواطئ الرملية كان لها أثر سلبي علي جودة الشواطئ الرملية.

شارك في إعداد الدراسة العلمية ثمانية من الباحثين المتخصصين، وهم، إيفا لانسو، سولفيج هوفر، تجيسي فان دير هايد، الباحثين بقسم النظم الساحلية بالمعهد لملكي الهولندي للأبحاث البحرية "NIOZ"، وماكس ريتكيرك، ومارتن واسن، الباحثين بمعهد كوبرنيكوس للتنمية المستدامة بجامعة أوترخت الهولندية، بالاضافة إلي فاليري ريجرز استاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية علوم الأرض بجامعة أوترخت الهولندية، وآريين لويجينديجك الأستاذ بقسم الهندسة الهيدروليكية في كلية الهندسة المدنية وعلوم الأرض بجامعة دلفت للتكنولوجيا الهولندية، وإيفرت جان لاميرتس الخبير ببرنامج دلتا للطبيعة، بمنظمة لجنة الغابات الهولندية بمدينة أوتراخت الهولندية.

 

خريطة الضغط الساحلي للبنية التحتية البشرية على طول الشواطئ الرملية في العالم

من 100 مليون عملية محاكاة لأحداث العواصف

تحت عنوان "الشواطئ الرملية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم مع تغير المناخ"، نشر الموقع الرسمي للمجلة العلمية الهولندية "Nature Climate Change"، المعنية بنشر طبيعة التغيرات المناخية، الدراسة العلمية، مؤخرا، والتي أكدت المخاطر البيئية التي تهدد أكثر من 50% من الشواطئ الرملية حول العالم، وذلك طبقا للبيانات التي قاموا بتسجيليها طيلة ما يقرب من 35 عامًا من بيانات صور الأقمار الصناعية، بالإضافة إلي 82 عامًا من توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات المناخية، وقد أجري الفريق البحثي وفقًا لتلك البيانات ما يقرب من 100 مليون عملية محاكاة لأحداث العواصف المؤثرة علي تلك الشواطئ.

وقال الباحثون في دراستهم" توفر النظم البيئية الساحلية خدمات حيوية، ولكن الاضطرابات البشرية تسبب خسائر فادحة. أما النظم البيئية المتبقية فهي محصورة بين ارتفاع منسوب مياه البحار وتطوير البنية التحتية البشرية. في حين تتم دراسة تراجع الخط الساحلي بشكل مكثف، إلا أن الازدحام الساحلي من خلال البنية التحتية لا يزال غير محدد كميًا".

عواقب الضغط الساحلي في الظروف الحالية والمستقبلية

سيناريوهات زيادة الاحترار الأسوأ علي الإطلاق

وقد أظهرت الدراسة، أن العديد من البلدان حول العالم قد تفقد أكثر من 60% من سواحلها الرملية في ظل سيناريوهات زيادة الاحترار الأسوأ علي الإطلاق، أكثر من نصف الشواطئ الرملية لبلدان مثل الكونغو وغامبيا وباكستان قد تختفي قبل عام 2100، بل أن استراليا مُهددة باختفاء أكثر من 14.8 ألف كيلومتر من شواطئها الرملية، أي ما يقدر بنحو 58% من مساحتها الكلية، والتي تقدر بنحو 25.7 ألف كيلو متر مربع، مبينة في الوقت نفسه أن كندا التي تُعد ثاني أكبر مساحة من الخط الساحلي من حيث الطول، مهددة هي الأخري بفقد ما يقرب من 47% من شواطئها الرملية، تليها تشيلي والمكسيك والصين، في حين تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المركز الخامس بحوالي 39% من شواطئها الرملية، وذلك بفقد حوالي 5600 كيلومتر منها.

الضغط الساحلي الناتج عن البنية التحتية حسب القارة وداخل وخارج المحميات الطبيعية

دلتا مصبات الأنهار والنظم البيئية الساحلية

"التغيرات المناخية والتنمية غير المستدامة لا تهدد الشواطئ الرملية فقط، ولكنها تهدد أيضًا دلتا مصبات الأنهار والنظم البيئية الساحلية الأخرى أيضًا"، رغم ان الدراسة معنية بتخليل البيانات الخاصة بالصحراء الرملية فقط، ولكنها رصدت تغيرًا أخر يهدد مصبات الأنهار التي تجري وسط البيئات الصحراوية مثل نهر النيل في مصر، مبينة أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى الأنشطة البشرية "المكثفة والمتزايدة"، وهو ما أدي إلي فقدان ما يقرب من 50% من المستنقعات المالحة، و35% من أشجار المانغروف، و30% من الشعاب المرجانية، و29% من الأعشاب البحرية في جميع أنحاء العالم.

 تأكل الشواطئ العربية

لم تكن الشواطئ العربية بمعزل عن تلك الأخطار، فقد أظهرت دراسة "الشواطئ الرملية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم مع تغير المناخ"، تعرض ما يقرب من نصف الشواطئ الرملية العربية، والتي تقدر بنحو 60% من أطوال الشواطئ العربية البالغ حوالي 25717 كيلومتر مربع، اي أن 7715 كيلومتر من الشواطئ الرملية مهددة بالضياع، وأكدت الدراسة أن أهم الدول العربية المهددة بفقد شواطئها الرملية، مصر وليبيا والجزائر والسعودية وعُمان والإمارات والسودان والكويت.

الباحثون كشفوا أن 33% من الشواطئ الرملية تحتوي على أقل من 100 متر من المساحة الخالية من البنية التحتية، وأن 23-30% من هذه المساحة قد تُفقد بحلول عام 2100 بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر. وتظهر التحليلات الإضافية أن الكثافة السكانية والناتج المحلي الإجمالي يفسران 35-39% من تباين الضغط الملحوظ، مما يؤكد على الضغوط المتزايدة المفروضة مع تطور البلدان ونمو السكان.

خطر التأكل يهدد الشواطئ العربية

ومن الإيجابيات التي كشفها البحث أن المحميات الطبيعية تخفف الضغط بنسبة 4-7 مرات. ومع ذلك، فإن 16% فقط من الشواطئ الرملية في العالم تتمتع حاليًا بوضع الحماية، لذلك دعا الباحثون وأوصوا بدمج حماية الطبيعة في سياسات التخطيط المكاني.

تغير الطبيعة البحرية

من جانبه أكد الدكتور محمود حنفي، أستاذ علوم البحار بجامعة قناة السويس، والمستشار العلمي لجمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر علي خطورة انهيار الشواطئ الرملية في العالم بشكل عام، وفي السواحل العربية بشكل خاص، مبينًا أن أهم المشاكل التي ستؤدي إليها تراجع الشواطئ الرملية تغير الطبيعة البحرية بشكل سينعكس سلبيا البيئة الحيوية، بالإضافة إلي عدد من المشاكل الأخرى، بما في ذلك انخفاض الشعاب المرجانية، وتعرض أحواض الأعشاب البحرية إلي خطر الانهيار، وزيادة الأراضي الرطبة بمعدل 69%، فضلاً عن انخفاض وانهيار مصايد الأسماك القابلة للحياة، وكلما إزدادت حالة الانهيار للسواحل الرملية سيتضاعف حجم المشاكل وتزداد سوءًا.

السياحة الشاطئية مهددة بسبب تأكل الشواطئ

وأوضح أستاذ علوم البحار بجامعة قناة السويس، أهمية التصدي لكل اشكال التأثير السلبي علي الشواطئ الرملية، سواء من خلال الاهتمام بتنفيذ مشاريع تنموية مستدامة تراعي البيئة البحرية، وعلي مسافة بعيدة نسبيا من الشاطئ، أو من خلال مكافحة اسباب التغيرات المناخية وحالة الاحترار التي يعاني منها كوكب الأرض، أو بتقليل الانبعاثات الكربونية الملوثة، محذرًا في الوقت نفسه من خطورة تراجع الشواطئ بشكل لا يمكن إصلاحه إذا فشل الجميع في اتخاذ إجراءات جوهرية لتغير المناخ.

البنية التحتية وآثارها على أداء النظام البيئي

ويقول الباحثون في دراستهم الجديدة، إن تطوير البنية التحتية القريبة من الشاطئ له أيضًا آثار كبيرة على أداء النظام البيئي، " وتتنبأ النظرية البيئية بفقدان 50% من الأنواع النباتية والحيوانية نتيجة للانخفاض الكبير في حجم الموائل، وفي الكثبان الساحلية للبحر الأبيض المتوسط ​​وخليج المكسيك، تُعزى الخسائر الهائلة في الموائل والأنواع إلى تطوير البنية التحتية".

وقد وجدت الدراسات السابقة أن الشواطئ يجب أن يكون عرضها أكثر من 300 متر عادة للحد من التآكل بشكل فعال ودعم تطوير الكثبان الرملية الطبيعية ، لكن النتائج الأخيرة تكشف أن 46% من الشواطئ الرملية في العالم بها حاليًا أقل من 300 متر من المساحة الخالية من البنية التحتية، مما يعني ضمنًا أن مثل هذه المناطق قد تكون معرضة لخطر التآكل. ونتيجة لذلك، فإن خدمات النظام البيئي، مثل التنوع البيولوجي، وتخزين الكربون، والترفيه، وإمدادات المياه العذبة، والدفاع عن الفيضانات، كلها معرضة للتهديد

واستنتجوا أن المناطق الساحلية الواسعة بشكل كافٍ أمرًا حيويًا للحفاظ على ديناميكيات اضطراب التعاقب الطبيعي التي تولد تنوعًا كبيرًا في الموائل، والذي يدعم بدوره مجموعة متنوعة من الأنواع النباتية والحيوانية الفريدة.