تقارير وتحليلات

نشر في : 18-08-2024

حدثت في : 2024-08-19 12:42:43

بتوقيت ابوظبي

ياسمين السيد هاني

مع قرب وصول الاحتباس الحراري إلى معدلات كارثية، يزداد الزخم حول الحلول السريعة القادرة على تبريد الكوكب، ولو بشكل مصطنع عبر الهندسة الجيولوجية، لكن تلك الحلول تحوي بداخلها عوامل خطيرة مثل فتح المجال أمام التحركات الفردية للدول على نحو قد يشعل الحروب العالمية.

وأعيد إلقاء الضوء مجددا على الطرح المثير للجدل بشأن خفض درجات الحرارة العالمية من خلال تظليل الكوكب بشكل فعال، وهي العملية المعروفة باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية.

ويقترح أصحاب هذا الطرح أنه يعمل كإجراء مؤقت، إلى أن يتم تقليل تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. 

البداية من شركة ناشئة

ووفقا لتحليل نشرته مجلة فورين أفيرز، شهد عام 2022، إطلاق شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا تسمى Make Sunsets بالونات مليئة بجزيئات الكبريتات عالياً في الغلاف الجوي، ومهمتها تبريد الكوكب عن طريق عكس ضوء الشمس القادم.

وهذا النهج، المعروف باسم حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير (SAI -Stratospheric Aerosol Injection )، كان وراء الكثير من الارتفاع الأخير في الاهتمام بالهندسة الجيولوجية الشمسية، لأنه يُعتقد على نطاق واسع أنه من بين أرخص وأقل الأساليب تعقيدًا.

لكن هذه التجارب أجبرت على التوقف وسط مخاوف من أن تعطل أنماط الطقس والمناخ العالمية، ما يخلق عواقب غير مقصودة وخطيرة على الكوكب بأكمله.

واعتبر التحليل أن غياب القوانين التي تمنع مثل جهود هذه الشركات الفردية أو حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية، وبينها الجماعات البيئية المتطرفة أو الشركات الناشئة الطموحة في مجال التكنولوجيا، يمكن أن يثير إجراءات عسكرية من البلدان التي تهدف إلى منع ما تراه عبثًا خطيرًا بمناخ العالم. 

حلول مستلهمة من الطبيعة؟

واستلهمت فكرة SAI من الانفجارات البركانية التي سببت تبريدًا عالميًا مؤقتًا من خلال نفخ جزيئات الكبريتات عالياً في الغلاف الجوي. ثم تعمل هذه الجزيئات كنواة لتكوين السحب، والتي بدورها تعكس الحرارة إلى الفضاء.

على سبيل المثال، أدى ثوران جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 إلى خفض درجات الحرارة العالمية بنحو 0.5 درجة مئوية لأكثر من عام عن طريق حقن 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت في طبقة الستراتوسفير. 

وتشير بعض التقديرات إلى أن ضخ مليون طن فقط من ثاني أكسيد الكبريت سنويا يمكن أن يعوض درجة مئوية واحدة من الاحتباس الحراري بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وهو جزء ضئيل من تريليونات الدولارات المطلوبة لإزالة الكربون بسرعة.

وعلاوة على ذلك، لن تتطلب هذه التقنية تكنولوجيا جديدة جذرية. وتطرح تقنية SAI استخدام طائرات عالية الارتفاع لرش الغلاف الجوي العلوي بجسيمات دقيقة، عادة كبريتات.

أضرار بالغة ومخاوف من التحركات الفردية

لكن في المقابل، من المرجح أن يؤدي نهج SAI على نطاق واسع إلى تعطيل أنماط المناخ والطقس بطرق لا يمكن التنبؤ بها، بما في ذلك الرياح الموسمية المتغيرة واحتمال التسبب في الجفاف الشديد في بعض المناطق، في حين يؤدي إلى فيضانات أخرى، ما يعرّض الأمن الغذائي وقابلية السكن للخطر في مناطق بأكملها في هذه العملية. فقد كان هطول الأمطار العالمي في العام التالي لثوران بيناتوبو بالفلبين عام 1991 مثلا نحو نصف الكمية الطبيعية. 

كما يمكن أن تؤدي جهود SAI إلى إتلاف طبقة الأوزون، وتسريع تحمض المحيطات، وتدمير النظم البيئية بأكملها.

والأسوأ من ذلك، بمجرد البدء في جهود SAI، سيتعين الحفاظ عليها إلى أجل غير مسمى، أو إنهاؤها تدريجيًا فقط، إذ إن التوقف المفاجئ عن الحقن من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع سريع في درجات الحرارة، خاصة إذا استمرت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي دون هوادة، مما يجعل من الصعب على البشر والنظم الإيكولوجية التكيف.

وعلاوة على ذلك، فإن الاعتماد على SAI قد يقوض الدفع العالمي لمعالجة الأسباب الفعلية لتغير المناخ، إما عن طريق تحويل الانتباه والموارد عن الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي وإما عن طريق إعطاء غطاء سياسي للمتخلفين عن العمل المناخي لإبطاء أو إيقاف إزالة الكربون. 

لكن الخطر الأكبر الذي يشكله SAI هو أنه يمكن القيام به بسهولة من جهات فردية تتخذ إجراءات أحادية الجانب تؤثر في الجميع (ما يسميه خبراء الاقتصاد "مشكلة السائق الحر"). إذ لا تنص أي من المعاهدات والقوانين الدولية العرفية التي تشكل أنظمة القانون الدولي بشأن تغير المناخ والبيئة على أي قيود ذات مغزى أو أي تنظيم محدد لاستخدام تقنيات التحكم في الانبعاثات أو الهندسة الجيولوجية الشمسية بشكل عام.

حروب المناخ

ودعا تحليل فورين أفيرز إلى مناقشة جادة ومفتوحة للمخاطر التي تشكلها تقنيات التحكم في الانبعاثات من جانب واحد والعمل على وضع قواعد ومؤسسات جديدة لحكمها، قبل أن تؤدي إلى صراع جيوسياسي، أو حتى حرب.

وقال إن الدول اعتبرت التدخل الأجنبي في الأمن المائي والغذائي بوصفه عملاً يبرر الحرب منذ أقدم العصور، وتعكس اتفاقية عام 1977 بشأن حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تعديل البيئة مدى النظرة التي نظرت بها الدول مؤخراً إلى تعديل المناخ باعتباره تهديداً محتملاً للأمن القومي. 

وتصف مؤسسات الدفاع والاستخبارات في الولايات المتحدة والعديد من حلفائها بالفعل العواقب المماثلة لتغير المناخ باعتبارها تهديدات للأمن القومي، وسبباً محتملاً لزيادة حالات الصراع المسلح. وعلاوة على ذلك، حددت مجموعة من المؤسسات الوطنية والدولية، بما في ذلك البيت الأبيض واللجنة الدولية للتغيرات المناخية، التدخل الأحادي الجانب باعتباره يخلق خطر عدم الاستقرار الجيوسياسي، بما في ذلك خطر الحرب. 

تردد حكومي

وبينما تعترف الجهات الفاعلة الرئيسية مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومجتمع الاستخبارات الأمريكي الآن بأن هندسة النظم الإيكولوجية الأحادية الجانب تشكل مخاطر جيوسياسية كبيرة، لكن إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن هذه التحولات تشير إلى انفتاح متزايد على المناقشة حول قضية حوكمة الهندسة الجيولوجية.

وعلى الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة اتخذت تاريخيًا وجهة نظر قاتمة بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية في محادثات المناخ الدولية، فقد تضمنت لجنة استشارية رفيعة المستوى تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية توصية ببدء حوارات متعددة الأطراف حول حوكمة الهندسة الجيولوجية في تقريرها الصادر في مارس/آذار 2024. وفي السر، أشار المفاوضون الصينيون أيضًا إلى أنهم قد يكونون متقبلين للجهود واسعة النطاق لمنع هندسة النظم الإيكولوجية الأحادية الجانب. 

واختتم التحليل بالتأكيد على أن إغراء نشر التقنيات لتظليل الكوكب بشكل مصطنع سوف يزداد قوة مع تفاقم أزمة المناخ. لكن لا بد من وضع حواجز وقائية قبل أن تؤدي تجربة الهندسة الجيولوجية الشمسية أو النشر الأحادي الجانب إلى زعزعة استقرار أنماط المناخ في العالم.