قصص

نشر في : 18-07-2024

حدثت في : 2024-07-22 11:55:25

بتوقيت ابوظبي

آلاء عمارة

تتأثر طبقة الأوزون بحرائق الغابات نتيجة بعض التفاعلات الكيميائية المعقدة.. فما القصة؟

تحدث حرائق الغابات لأسباب متعددة، لكن ازدادت وتيرتها بصورة مرعبة خلال العصر الحالي، ويرجع ذلك إلى ظاهرة الاحترار العالمي التي يعاني منها سكان كوكب الأرض اليوم؛ الأمر الذي يدفع الباحثين إلى إجراء مزيد من الأبحاث والدراسات، للكشف عن المدى الذي قد تصل إليه تلك التأثيرات لحرائق الغابات، مثل حرائق أستراليا 2019-2020، التي تسببت في فقدان مئات الآلاف من الأنواع البرية، وتُصنف على أنها واحدة من أكثر الحرائق الكارثية. 

وفي هذا الصدد، أجرت مجموعة بحثية من معهد "ماكس بلانك للكيمياء" دراسة للكشف عن التأثيرات المعقدة لحرائق الغابات التي تمتد إلى طبقة الأوزون. في تلك الدراسة، كشف الباحثون عن التأثيرات الكارثية التي لم يسبق لها مثيل لحرائق الغابات، ووجدوا أنها تعيد ترتيب استنفاد طبقة الأوزون على ارتفاعات مختلفة وتضاعف عبء الهباء الجوي؛ خاصة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. ونشر الباحثون ما توّصلوا إليه في دورية "ساينس أدفانسيس" (Science Advances) في 12 يوليو/تموز 2024. 

درع حماية

تحمي طبقة الأوزون أشكال الحياة المختلفة على سطح الأرض من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية، وقد بدأ الاهتمام الملحوظ بطبقة الأوزون وصحتها منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، عندما لاحظ العلماء تضاؤل الأوزون كل ربيع عند منطقة القطب الجنوبي، ولإصلاح الوضع نشأ بروتوكول مونتريال الشهير، وهي معاهدة دولية، هدفت إلى التخلص التدريجي من إنتاج المواد المسؤولة عن استنفاد طبقة الأوزون، وقد اعتمدت عام 1987. بالفعل، تحسّن الوضع، وصارت طبقة الأوزون في طريقها للتعافي. لكن يبدو أنّ آثار التغيرات المناخية تمتد إليها بشكل ما. 

الدوامة المشحونة بالدخان 

أما عن ظاهرة "الدوامة المشحونة بالدخان" (SCV) فهي عبارة عن دوامة قوية محملة بالدخان، وتنقل دخان حرائق الغابات بما فيه من هباء جوي إلى ارتفاعات عالية في طبقة الستراتوسفير، تصل إلى 35 كيلومترًا. والهباء الجوي عبارة عن جزيئات صغيرة جدًا، قد تؤثر في جودة الهواء، والمناخ والصحة وكذلك كيمياء الغلاف الجوي. 

وفي أثناء حرائق الغابات 2019-2020، لاحظ العلماء زيادة كبيرة في نسبة الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير، خاصة في نصف الكرة الأرضية الجنوبية؛ ما أدى إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي قادت في نهاية المطاف إلى تغيرات في تركيزات الأوزون، ففي بعض المناطق ازدادت تركيزات الأوزون، في حين انخفضت في طبقات أخرى. على سبيل المثال، وجد الباحثون أن طبقة الستراتوسفير السفلية قد أظهرت استنفادًا ملحوظًا للأوزون. 

من جانب آخر، وفي تفاعل كيميائي معقد بعض الشيء، وجد الباحثون أنّ زيادة جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير الوسطى، تتسبب في تحسين امتصاص "خماسي أكسيد ثنائي النيتروجين" (N2O5)، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات بعض غازات النيتروجين، مثل: أكاسيد النيتروجين، من جانب آخر زيادة غاز الأوزون. وقد نجح العلماء في رصد ذلك في الأشهر التالية لأحداث حرائق الغابات الضخمة باستخدام بيانات الأقمار الصناعية والنمذجة الرقمية. 

حاجة ماسة! 

تأتي هذه الدراسة لتكشف عن الحاجة الماسة إلى مراقبة تطور حركة الهباء الجوي بوساطة الدوامة المشحونة بالدخان، بالتوازي مع أحداث التغيرات المناخية، التي تتسبب في تفاقم حرائق الغابات وإنتاج الدخان الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ما يؤثر في الحياة على سطح الأرض. 

ويمتد أثر ذلك للإنسان بعدة طرائق، لعل أبرزها: انتشار أنواع معينة من سرطانات الجلد وإعتام عدسة العين واضطرابات نقص المناعة، هذا فيما يتعلق بصحة الإنسان. من جانب آخر، تؤثر الأشعة فوق البنفسجية في النظم البيئية الأرضية والمائية، ما يؤثر في الدورات الكيميائية الحيوية والسلاسل الغذائية وتغيرات ملحوظة في نمو النباتات، ما يؤثر سلبًا في الإنتاجية الزراعية. وكذلك الحياة البحرية تحت الماء، وهذا يخلق حالة من الخلل في النظم البيئية البحرية. بالطبع تعود كل تلك النتائج السلبية على حياة الإنسان -بصورة ما- لأنه عنصر من عناصر النظام البيئي، وعند أي خلل يحدث في ذلك النظام، ينال من الكائنات الحية الأخرى بمن فيها الإنسان. 

ويرى العلماء أنّ تفاقم التغيرات المناخية بسبب الأنشطة البشرية بعد الثورة الصناعية تُشكل خطرًا على طبقة الأوزون التي شهدت تعافيًا ملحوظًا بعد بروتوكول مونتريال التاريخي. ومع تواتر حرائق الغابات الناتجة عن الاحترار العالمي، يزداد الخطر على طبقة الأوزون، التي من دونها قد تفقد الأرض الكثير من أشكال الحياة ويعيش البشر في خطر لا نهاية له.